MrJazsohanisharma

رواية صمت الفتيات الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والاخيره بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا

 رواية صمت الفتيات الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والاخيره بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


رواية صمت الفتيات الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والاخيره بقلم خديجه السيد حصريه وجديده على مدونة أفكارنا 


كنت أسير بخطوات بطيئه بتثاقل شديد بعد انتهائي من يوم العمل الشاق وبعدها دلفت بداخل المترو لاذهب الي المنزل تمنت لو بعد لحظات قصيره جدا اجد نفسي في المنزل من كثر التعب الشديد الذي اشعر به حتى اسقط على فراشي واسافر في سبات عميق.


كنت مرتدية بلوزة حريرية باللون الكشميري و بنطلون أسود قماش واسع قليلا واحمل حقيبة يدي صغيرة بنفس لون البلوزة، مع الحجاب الاسود يغطي خصلات شعري و وجهي الطبيعي دون تجميل.


نظرت حولي ولما اجد مقعد خالي بداخل المترو ولم افكر في الامر كثيرا حيث تقدمت لا اقف بجانب زوايا اسند عليها بظهري، وانا افرك وجهي وتنهدت بثقل وقد تذكرت احداث اليوم في المدرسه التي اعمل بها مدرسه فنون جميله وقد كانت هذه الرحله وهميه بالنسبه لي قبل سنوات فقط، فعندما التحقت بالكليه بعد اتمام تعليمي بالثانوي اجتاحت لمجهود جبار مع والدتي وابي أيضا، حتي يتركوني اكمل مسيرتي التعليميه كما افضل واحب انا، و جاء الجهد الاكبر حين قررت الالتحاق بالجامعة وكان اقناع والدتي بالذات ليس بالهين بتاتاً لانها كانت تعمل مدرسه ايضا لكن لغه عربيه، لذلك كان لديها امل كبير ان التحق بنفس الوظيفية واكون مدرسه لغه عربيه مثلها، لكن أنا كان لي راي اخر وقد احببت مهنه الرسم منذ طفولتي، وبعد معاناة فأنا الابنه الوحيده لهم وافقوا على ذلك.


وسرعان ما ظهر طيف مشوش داخل عقلي و اخذت أتذكر احداث طفولتي التي لم احب ان اتذكرها يوماً مطلقاً التي تسببت لي بالكثير من المعاناه والجروح التي لم تشفى حتى الان؟ 


ولا تفارق عقلي ابدا لذلك دائما اصبح شاردة الذهن وبصحه غير جيده وعدم اتزان نومي في الفتره الاخيره، وما هو يؤلمني اكثر انني لم استطيع البوح بما داخلي؟ لمن؟ أو لماذا أتحدث اذا كان الوضع سيستمر كما هو دون تغيير! 


أفقت فجاه على صوت رجل يتحدث بخشونه بجانبي إلي لم انتبه في البدايه ماذا يقول؟ لكن عندما نظرت اليه وجدت رجل في عمر الخمسون تقريبا لكن كان يبدو عليه الشيب المبكر وملامح وجهه الظاهره بها تجاعيد، ابتسم بطيبه وهو يقول بنبرة حنونه


= مالك يا بنتي سرحانه في ايه عمال انده عليكي شكلك تعبان قوي تعالي اقعدي جنبي في مكان أهو، وبعدين شكلك تعبانه خالص،

تعالي يا بنتي اقعدي جنبي انا زي والدك 


تطلعت فيه مترددة قليلا وهو يبادلني النظره بحنان وابتسامه دافئه، تقدمت نحو المقعد في صمت بعد أن شكرت الرجل بامتنان شديد فانا حقا كنت بحاجه الى الاسترخاء، وجلست بتعب شديد أعلي المقعد وأنا أغمضت عيني اتنفس بهدوء واستمرت في فرك كتفي من الالام الذي اشعر بي، وبعد عشرون دقيقه تقريباً شعرت بشيء لم يكن غريب عليه؟ 


فانتفض جسدي وكنت خائفه تماماً وفتحت عيني علي واسعها ولم اتجرا على النظر إليه، حاولت ان ابتعد بهدوء وصمت حتى اتفادى ما يفعله بي دون أي حديث قد ينكأ جراحي، وقلت إلي نفسي من الممكن ان اكون اتوهم لا اكثر! وقلت الى نفسي من المستحيل ان يفعل رجل بهذا العمر شيء كذلك.


لكنه لم يتوقف بل فعلها مره ثانيه وقد تمادي أكثر وحاولت مره ثانيه و ثالثاً ان اتفادى اكثر من مره ولكنه كان هو شبه لديه اصرار رهيب علي لمسي، اخذ رعبي يهدأ قليلاً وانا اقنع نفسي انها مجرد تهيئات ولكن اي تهيئات تلك؟! حين شعرت بلمسات خفيفه علي طول ذراعي بينما بدأ الأمر يتمادى أكثر و أكثر وهو يصدر صوت مقرف بتلذذ وتمهل وكأنه يستمتع بما يفعله


لم اعلم هل انهض؟ أم اظل جالسة حتى يتوقف هو من نفسه؟ شعرت بالارتباك بضع ثوان ثم أنبت نفسي علي التخاذل سريعاً هكذا وحاولت التماسك او هكذا هيئ لي، أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن شعرت بأني سانهار حتما، لا اريد ذلك ان يحدث لي مره ثانيه واستقبل ذلك كعادتي بالصمت الذي لم يفيدني مطلقاً بل على العكس تماماً يضرني اكثر واكثر. 


حاولت ان اقاوم من داخلي رغبتي في الاستسلام ولم اعلم كيف اتت من الجراه وامسكت يده بعنف حتى يتوقف، ونظرت له حتي تنبه الراجل العجوز وهو يلتفت نحوي وشعرت باحتياج للتأهب لما قد يحدث ولكن عندما تلاقت الأعين ،كانت نظراته كفيلة بأن تبوح بكل شيء لم يعد هناك أي داعي للحديث أو الشك لما يحدث الان؟ فهو الان بالفعل يتحرش بي؟ يتحرش بـي شابه في عمر ابنته تحولت نظراتي إليه إلي اشتمزاز وقرف وانا عقلي يحاول استوعب الأمر؟ لكن ما تألمت لاجله هو نظراته إلي كانت قويه جدا لم يهتز كانه لم يفعل شيء مخجل أو محرم؟ وانا المجني عليها خائفه منه بشده كذلك، وسالت نفسي الى متى سيظل هذا الوضع يتم قتلي بالبطيء والمذنب هو من معه الحق؟ هل هذا هو عدل الله حقا حين قال استوصوا بالنساء فالبتاكيد لا؟ اذا لماذا ليس انا من معي الحق؟ 


كان ذهني مشتت تماما ،افكاري مبعثرة في تلك اللحظة برعب وحيره، لذا حاولت أن استجمع كل قوتي قبل أن اخذ أي رد فعل، فيكفي الي هنا لقد صمت بما يكفي فيجب ان اكون في تلك اللحظه، صلبة.. قوية ..لا يجب أن اضعف، الحق معي انا الجاني عليها وليس المذنبه؟ وبعدها لم افكر في الامر ولا ثواني حين نهضت وصفعته على وجهه بكل قوتي! 


ساد صمت رهيب بداخل المترو لكن انا عيني كانت مصوبه تجاهه هو فقط وانا ارى صدمه كبيره علي وجهه لكن لم تكن الصدمه من نصيبه هو فقط بل انا ايضا صدمت من نفسي ومن ردت فعلي اخيرا وقد اخذت حقي حتى لو لي مره واحده في حياتي؟ ولكن قبل ان افرح بانتصاري حدث شيء لم أكن اتوقعه في حياتي؟ 


أصدرت شهقه مصدومة عندما رأيت الرجل العجوز وهو يبكي مثل الاطفال فجاه دون مقدمات وبعدها بدا الجميع ينظر إلي نظرات دهشه وغضب عارم مني وتقدم رجل إليه وهو يقف جانب الرجل العجوز يحاول يهديه لكنه دون فائده فالرجل العجوز استمر بالبكاء بطريقه تثير العطف والشفقه تجاه ثم تطلع فيه الراجل الأخري بضيق شديد وقال بعدم رضي 


=ليه كده يا بنتي حرام عليكي في حد يعمل في راجل كبير كده، عمل لك ايه بس كده؟ 


حاولت ان اشرح الامر بسرعه لكن اتسعت حدقتي بصدمه وعدم استيعاب وانا ارى سيدات تنهض بهجوم نحوي وأحدهم تصيح بعصبية حادة وعنف


=هو حضرتك لسه هتسال ليه كده يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيكي وفي اللي زيك احنا مش عارفين الجيل ده بقي ماله، ما بيحترمش الاكبر منه ولا بيحترم حد، وكمان وصلت بيكي تمدي ايدك على راجل كبير هنروح منكم فين ده احنا في اخر الدنيا


نظرت السيده الاخرى بنظرات مقرفه إلي وهي تتحدث بحده كبير 


=على رايك والله ده احنا بنشوف العجب من بنات الايام دي بالذات قدك ده عشان تمدي ايدك عليه لا اله الا الله امال بتعملي ايه في امك وابوكي اللي مش عارفين يربوكي، قولي بقى عملك ايه عشان تعملي فيه كده.. ايه سرقك ولا عمل لك ايه يا مؤذيه عشان تضربيه بالقلم 


ثبت وكأني كالصنم لا يستطيع التحرك ولا حتي تحريكه و ترفرف الدموع بعيني تلك اللحظه وأنا اري ان الجميع يدافع عن المتحرش دون ان يعطوني الفرصه للتحدث حتى ولا يسمعوا اي مبررات لديه، حاولت الصراخ ولكن بلا فائده ايضا ..فقد عُقد لساني اخذ صدري يعلو ويهبط بعنف اشعر بتنميل في سائر جسدي والرجفه تتملك مني و قدمي لم تعد بإمكانها حملي لم اعلم كم ظليت علي حالي هذا ارتجف داخلياً واشعر بثقل انفاسي لا استطيع التنفس بشكل طبيعي واطرافي ترتعش خوفاً، فتحت فمي ودموعها تنسدل علي وجنتيها بخوف وذعر فلاول اول مره يحدث معي موقف مثل ذلك 


=لا ما سرقنيش بس عمل الالعن من كده عمال يتحرش بيا ويمد ايده عليا أكتر من مره.. ده راجل مش كويس ولا محترم


نهض الرجل العجوز وإبتلع ريقه بصعوبة وهو يشاور علي نفسه بصدمه زائف ودموعه مزالت تتساقط بقوة ليقول بنبره مرتعشه وقد تيقنت الان أن الجميع معه وهو يحاول قلب الموازين لصالحه


=انا يا بنتي كلمتك ولا جيت جنبك ده انتي صعبتي عليا لما شفتك واقفه تعبانه ومش قادره تصلبي طولك من التعب، وقلت لك بكل حسن نيه تعالي اقعدي جنبي انتي زي بنتي تقومي تتبلي عليا اني بتحرش بيكي انا هعمل حاجه زي كده وانا في السن ده برده 


دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليا ومعدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرهني ،الا يكفيني ما أنا فيه، أخفضت بصري وانا في حاله ذهول تاما لما الجميع يدافع عنه رغم انهم ليس معهم دليل، او اذا كان الدليل اني فتاه فذلك يكفي لهم؟ ظليت التهم الجميع بعيني وكأني أبحث عن طوق النجاة لي من اي شخص بين الموجودين بداخل المترو حتى لو واحد فقط يقف ويدافع عني لكني لم اجد مع الاسف الشديد غير دفاع بشكل رهيب ضدي انا! حتى اجبرت نفسي على الحديث لاكمل ما بداته وإجابت بصوت غير متزن بجفاء 


=ايوه عملت اقسم بالله انت كذاب و واحد مش كويس ..هتروح من ربنا فين 


نهض فجاه راجل في سن الاربعين نحوي ونظر لي بعينين لا يخضعان وقلب لا يلين بعطف نحوي و كانت نظراته مليئة بالتحدي والقوة حين ارتعش جفني و جسدي حين نظر لي بتحدي أقوي قائلاً بتهديد. 


=يا بنت عيب كده احنا ساكتلك عشان انتي بنت وأنا بنفسي فعلا سمعت الرجل وهو بيقول لك تعالي اقعدي جنبي عشان صعبتي عليه، ممكن يكون بيتهيالك ولا حاجه وعيب تغلطي في واحد قد ابوكي 


لترفع سيده أخري بصرها نحوي بغضب شديد وثبات قائلة بحده 


=يعني دي جزات الراجل انه حب يعمل خير.. بس يا حاج بطل عياط حقك علينا احنا انت زي ابونا برده 


اخذت الرجل العجوز يصرخ بكلماته وهو يهز رأسه بهستريا وببكاء حار حتي يتعاطفون معه 

اكثر.


=والله يا ابني ما عملتلها حاجه والله يا جماعه وحياه بناتي صعبت عليا عشان كده قلتلها تعالي اقعدي جنبي وانت بنفسك سمعتني بقول لها كده، انا تتهمني بتحرش بيها وانا في السن ده و تهين فيا وتقول عليا كذاب.. هي الدنيا جرى فيها ايه بس الواحد بعد كده ما يعملش خير في البلد دي.. هاتوا مصحف احلف لكم عليه ان انا مظلوم وما لمستهاش ولا قربت من جنبها، صدقوني يا جماعه انا مش كذاب عيب لما عيله زيها تهني بالشكل ده ليه بس يا بنتي 


حركت راسي بغضب وعدم تصديق لهذا الرجل العجوز وتصنعه الدائم فقد في لحظات انقلبت الموازين وأصبح هو المجني عليه، حاولت الصراخ مثلهم فأنا الحق معي ولكن أنعقد لساني وقد فاض بي الكيل ونظرت حولي مره اخري بشفاه مرتعشه 


في حين هز أحد الموجودين رأسه بأسف شديد ثم تقدم نحو الرجل العجوز و امسك بيده وأجلسه علي الكرسي المقابل له، وهو يجول ببصره في المكان ثم قال بجدية وكانه يوجه للجميع رساله ان ما يحدث هذا عيب في حقنا احنا ايضا حتي يتحركوا. 


=معلش يا راجل يا طيب تعالي اقعد جنبي انا، انت زي ابويا برده وما يرضنيش حد يهينك وانا موجود 


ظليت ابحث في وجه اي شخص عن أي بارقة أمل ولكني لم اجد لكني شاهد شيء اخر المني أكثر، نظرات بعد الفتيات بعجز وقله حيله مثلي هم خائفون أن يتحدثون او حتى يدافعون عني، وقد عرفت قيمه المعاناه الحقيقيه التي تتعرض اليها الفتيات حين التحديث، وهو الخوف وعدم الامان من ردت الفعل بعدها هل سيصدقها احد ام سيحدث ما يحدث معي الان، لذلك عرفت لما كل فتاه تفكر مليون مرة قبل أن تتحدث! حتى لو كانت التي أمام سيده مثلي 


فـ الصمت سيكون دائما هو ردت الفعل الينا.. فاذا كنت اليوم لاول مره تجرات وتحدث ودافعت عن نفسي فسوف أتراجع في التفكير بعدها اكثر من مره مثلهم حتي ابوح بما داخلي.. فالمجتمع هذا ما يريده صمت الفتيات وليست أنا. 


وبعدها لم يعطيني أحد فرصه للحديث وجذبتني نفس السيده نحوها بقوه وعنف حتى كادت أن أسقط بالأرض من جذبها إلي وشعرت بالرعب الشديد في هذا الموقف لم انساه في حياتي ابدا، كان مؤلم وجع رهيب! ابشع ما تعرضت له في حياتي 


وفي نفس اللحظه توقف المترو في محطه ما لينزل بعض الركاب لكن لم تكن هذه المحطه ما أريد الهبوط منها لي ارى السيده التي كانت تجذبني وتضغط على ذراعي بقوه شديدة دون عطف أو شفقه تجاهي و دون مقدمات كانت تدفعني للخروج للخارج المترو بقسوة شديدة وهي تصرخ بصوت غليظ


=هي وصلت بيكي كمان هتتبلي علي الراجل منك لله يا شيخه إلهي ربنا يبتليك بنصيبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا على الظالم والمفتري.. يلا غوري من هنا و روحي شوفيلك اي مصيبه تانيه توصلك مطرح ما انتي رايحه داهيه ما ترجعك يارب 


انغلق الباب وبدأ يسير المترو لبعيد وشهقت فجأع حتي كنت سوف أسقط لولا حاولت الثبات لكن كانت الآلام تملئ عيني وانا أري الجميع حولي ينظرون إلى بدهشة وفضول وكأني كنت اغوص تحت سطح الماء ثم خدلت قدمي تحتي ولم تقدر علي حملي لي اسقط علي الارض ودموعي تسقط بغزارة دون توقف وانا ابكي بصوت عالي باشفاق علي نفسي من الاهانه والذل التي تعرضت لهما.


وكل ذلك لاني خرجت عن القاعدة و كسرت الصمت، على عكس مثيلاتي، ضحايا التحرش الجنسي وكان قد كان المقابل جزاتي واتهامي بتعدي على رجل مسن واني غير محترمه، لذا يُكتم صوت الحقيقه !! وهنا وثيقة إحتجاج ضد المجتمع وإزالة الأقنعة الزائفة فلا يوجد مجتمعا فاضلا وطاهرا ومثاليا كما نصور أنفسنا نحن المجتمعات الشرقية الذي دائما وابدا يكون الحل بالنسبه إليهم "صمت الفتيات" 


ضغط حمزه على فكيه بقوة وهو لا يزال لا يصدق ما سمعه مني وإني قد تعرضت للتحرش الجنسي مره ثانيه وقد عشت هذه التجربة المؤلمه مره اخرى! ثم همست بشفيتن المرتجفة


= طول الوقت لما أي بنت بتتعرض للمواقف اللي زي كده بنحس بالعار بس من ايه محدش عارف منا ولا حتى أني عاوزه احكي بس مش قادره لاني حاسه ان ما حدش هيفهمني 


مسحت دموعي وقد تنسيت الألام التى تعصف بجسدي وقلت بوهن


= الخذلان اللي واجهته في الموقف ده كان صعب.. وان ازاي اواجه القرف والوجع دي اصعب حاجه في الحياه! انك تواجه الوجع اللي جواك.. نفسي بجد اعيش حياه ما فيهاش خوف ولا قلق من الناس 


لن يفهمنا أحد ، جميعهم يظنون أننا نبالغ ، جميعهم يتهموننا بالبؤس ، جميعهم فلاسفة حينَ لا يخُصهم الأمر ، يعتقدون أنّ الحل سهل ، لن يشعر أحد بما نشعر به ، فنحنُ نتحدث عن أمر أشعلَ في قلوبنا ناراً صعب إطفائها ، أمر جعلنا نشفق على أنفسنا من شدة قسوته ، أمر قطعنا فيه آلاف الأميال تفكير ولم يمشوا فيه خطوة واحدة ..كم هائلة تلك المسافة بين ما نشعر به وبين ما نستطيع شرحه للآخرين لذا توقفنا عن الحديث فلا تلومونا ، لا أحد يهتم ، وحدها قلوبنا التي تحترق.. و هؤلاء الذين نرتدي أقنعة لنرضيهم.. أو نخفي حقائقنا خوفا من نظراتهم الينا .. لا يستحقون الشكر ولن نسعد هكذا معهم أبدا. 


اكملت حديثي وقد اغمقت عيناي بالألم


= انا جايز اكون مغلطش بس انا قبلت بالغلط و متكلمتش و هو ده عين الغلط ..انا سكت لما كان مفروض اتكلم.. و ما تكلمتش في الوقت اللي كان مفروض اقول فيه لأ..


فرت الدماء من عروق حمزه و قد شحب وجهه بشدة فور ادراكه ما نطقت بتلك الكلمات المؤلمه امامة ليصمت عاجز على الرد فلا يعرف ماذا يجب عليه أن يتحدث حتي يخفف عنها؟ لكن دائما يقف امامها متجمد وهو يستمع الى معاناتها الصعبة فهي بالتاكيد تمتلك قوه خارقه داخلها لتتحمل كل هذا الالام، فهو لم يري في حياته فتاه مثلها ما زالت تصارع مع الحياه بعزيمه رغم كل ما حدث لها.. تنهد بعمق شديد وقال بصدق


= عارفه يا ريحانه ساعات بقف قدامك في نقط كتير ومبقاش عارف ارد عليكي او اقول لك ايه ممكن يهون عليكي لانك بصراحه بتتكلمي في حاجات مهمه جدا وللاسف ناس كثير بتعاني منها وبتسكت وبنبقى خايفين نواجهه 


نظرت إليه ثم اطلقت صيحة عالية ساكنة تخرج من عمق نزيف قلبي الذي بدي كالثور الهائج..انهكتها الحياه و نجحت في تدميري...


حمحم حمزه قائلا باستفهام حتي يغير الموضوع


= مش عايزه تكملي قصتك للناس انا زي ما وعدتك مستمر بالنشر والناس بقت شبه تقريبا مستنين بفارغ الصبر تسمع باقي الحكايه؟. 


مرت هكذا جميع السنوات عليا وانا اكبر؟؟ أصبحتُ قليلة الكلام مع الجميع وكثيرة الشرود ، هادئة بمظهر ثابت رغم الضجيج الذي يسكُنني حتى اعتقدوا اهلي اننا انطوائيه ولا أحب الجلسات الاجتماعيه مع الاغراب قبل عائلتي نفسها، لم أعُد أجيد الإقتراب من أحد وماعادت التجمعات تجذبني ، أصبحتُ أخاف من عائلتي و العلاقات ورسم أحلام ورديّة ، أميل دائماً إلى الوحدة رغم كوني ليست المخطئه ، هكذا سارت الأمور معي وانا اكبر، تغير كل شيء بلحظة، لقد أعطَيت كل الأشياء الجيدة دفعة واحدة وردت إلَيَّ بكل السوء الذي يسكُن العالم أجمع..لست بنادمة أبداً ولكن ما يؤلمني أنّ كل شيء سكبت عليه من روحي رحل ، كأنّ روحي المنهكة أصابت كل من ألفَها..


وكل فتره كنت.. أحتاج فقط من حين لآخر أن أنعزل و أبكي كثيراً ، و أحتاج أن أتنازل عن قناع القوة الذي أرتديه .. أنا بخير و لكني أحتاج أحياناً أن أعبر عن كوني.. لست بخير ...!! 


مررتُ بلحظات شَعرت فيها أن مَخزوني من التحمل قد نَفذ واني لن أَحتمل أكثر من ذلك، خسرتُ كل شيء، شعرت كثيرًا أنها نقطة النِهاية، وأنّ نِهايتي قد حانت، لكن لا شيء من هذا حدث. لم أَمُتْ.. وها أنا أحتمل أكثر، والآن وبمرور الخسائر أتعلم جيدًا من أكون، أُدرك حجم قوتي، وأَعرف جيدًا أنه مهما فسد كُل شَيء يجب أن أنجو.


كبرت حتي دخلت الى الجامعه و كنت و مازالت دائما ابتعد عن الجنس الاخر، اشعر دائما بالخوف و الاضطراب لما هو قادم؟ لم أكون صداقات مع فتيات ولا مع شباب كنت في الماضي امثل اني انطوائيه ولا احب العلاقات حتى اصبحت بالفعل لا أحب العلاقات مع الاغراب ولا الاقارب.. وفي نهايه اليوم اختبئ في حضن الصمت حين ادرك بأن ما احاول شرحه لن يفهمني احد مُطلقاً.


وضع والدي فنجان القهوة أعلي الطاوله بعنف مكتوم قائلا بحده


= وبعدين يا ريحانه ده خامس عريس ترفضي ويكون كويس وما فيهوش عيب وأحد وحش وانتي برده ترفضي من غير حتى ما تقعدي معاه ولا حتي تشوفيه، هتفضلي كده لحد امتى؟ 


أخفضت بصري وانا اجيب عليه بصوت مخنوق


= لحد ما ياجي نصيبي انا قلت لكم مش مستعجله على الموضوع مش عارفه ليه انتم اللي مستعجلين ومصممين تجوزوني بالغصب 


ظهر الغضب والضيق علي ملامح والدي قبل أن يتحدث قائلا بصرامة


= سامعه بنتك يا نشوي بتقول ايه؟ طب ردي عليها أنتي، احنا لحد دلوقتي غصبناها على حاجه، وانا لو كنت بفكر بالطريقه دي كنت زماني جوزتها من غير حتى ما اخذ رايها ولا واقعد في الشهور احايل فيها عشان توافق تقعد مع اي عريس وتشوفه بس 


تنهدت أمي قليلاً وهي تنظر إليه بعدم رضي وتهتف بجديه


= يا حبيبتي هو حد دلوقت غصبك واحنا صحيح لو عاوزين نغصبك ما كناش اخذنا رايك كل الحكايه نفسنا نفرح بيكي وانتي فعلا على راي ابوكي زودتها قوي عماله ترفضي في العرسان من غير ما تقولي لينا اسباب مقنعه 


نظرت إليهم مطولاً قبل أن انهض واتحدث بعصبية


= في إني مش مرتاحه ومش بفكر في الجواز دلوقتي حلو كده ده سبب كفايه ومقنع ليكم ولا لاء؟ 


كنت لستُ بخير هذه الفترة ولا أحد يعلم ما انا بي ، أفكّر كثيراً ولا أنام جيداً ، سُكوتي مفاجئ ودقات قلبي موجِعة ، أتألم كثيراً لكن بصمت ، لم أرغب في مجاورة أحد ولا المَيل على كتف أحد ، لم أرغب في أن يكون لروحي رفيق واتحدث معه ، لم يعد تسعفني المحاولات حتى مع أحدهم بينما بعد ذلك نعود غرباء كما كنّا ، ما فائدة أحد بجانبي وكل ليلة لا يُجاورُني سوى البكاء والخيبة.. لستُ بخير أبداً ولكن إن سالني احد ساجيب أنني في أحسنِ حال..


لم يتوقفون عائلتي حاول موضوع الارتباط وكل ليله يتناقشون معي بالهدوء والشد حتى اقتنع واوافق علي أن ارتبط بشخص ويصبح زوجي ورفيقي في الحياه!! كانت بالنسبه لها ستكون فرحه كبيره لكن اليه ستكون نكته سخيفه، فكيف ان ارتبط بشخص وانا داخلي كل ذلك الاسرار الخفيه اعتقد يجب ان اصارحه اولا؟ وهذه كانت اصعب خطوه إليه! فكيف اتحدث وانا اعاني من الصمت كل ليله.


بعد مرور شهرين لم يكن امامي غير الموافقه حتى اتخلص من كثره الحديث والشكوك حولي وارتبط بشخص يكبرني بثلاث سنوات إبن صديق لي والدي لكن كانت هذه اصعب فتره إلي لأن اكتشف جانب في اخر لم كنت اعلم عنه شيئاً؟؟ الخوف والاشتمزاز من خوض تجربة الزواج كلما تخيلت حياتي بعد الزواج كيف ستصبح اشعر انني اريد ان اتقيا من الفكره.. فعقلي يخليني بمخيلات وتفاصيل طفولتي المؤلمه.. ورغم عني اضع مقارنه داخل عقلي وما كان يفعله عمي معي سوف يحدث في زواجي او هذه ستكون طبيعه العلاقه الزوجيه بيننا.


لاكتشف اني اصبحت مريضه نفسيا واحتاج الى علاج.. من ذلك التفكير المقزز.. لذلك لم تستمر خطوبتي طوال وفسختها انا بعد اصرار كبير مني لشعوري بالذنب وضمير يؤنبني إني اذا اكملت في هذه العلاقه وانا اعلم ما يصيبني فلا استطيع ان اظلم شخص معي ليس له ذنب. 


بالطبع دخلت في صراع مع عائلتي وظلوا يلوموني على ما فعلته لكني كنت مصره علي فسخ الخطوبه، ولم اخاطر مره ثانيه للدخول في علاقه دون أن أفصح عن جزء من معاناتي أولا واصارح من سوف يشاركني حياتي عن تلك الحقائق!! مهما حدث؟ 


عقد حمزه حاجبيه باقتضاب هاتفاً بفضول


= ولقيتي الشخص ده؟ لقيتي اللي تقدري تحكيله علي كل حاجه عنك ويصدقك ويفضل مكمل معاكي وهو قابل ومتفهم حالتك؟ 


نظرت إليه عده ثواني و همست بصوت خافت وأنا اتذكر و يدي تمر برفق فوق الأخري بحالميه 


= كان زميل لي في الجامعه، أنا كنت دائما اصلا كل سنه بحاول على قد ما اقدر اتجنب اي صداقات من الرجاله والبنات في الجامعه.. بس لما شفته حاجات كثير جوايا اتحركت واتغيرت ناحيته هو بالذات، وانا كمان حسيت أنه جوه حاجه من ناحيتي من اهتمامه الكبير معايا واحترامه لي وانه عمره ما اتعدى حدودو معايا.. كل دي حاجات خلتني اعيد التفكير من ناحيته مش عارفه اذا كان اعجاب ولا حب بس كان احساس حلو اول مره احسه


ثقلت انفاسي وأنا أتابع حديثي باعين تلتمع بالشغف


= فضلنا كده سنه ونصف ما بنتكلمش عن حاجه تخص علاقتنا بس كان في تلميحات بطرق ثانيه منه، لحد نهايه السنه و وقت التخرج اتفاجئت انه بيطلبني للجواز كنت فرحانه جدا بس فرحتي اتطفتي في ثانيه لما افتكرت اللي انا مخبياه طول الوقت.. وافتكرت برده الوعد اللي انا اخذته على نفسي ان اذا دخل راجل في حياتي ثاني لازم اصارحه بالحقيقه عشان ما احسش بالذنب من ناحيته 


أردف حمزه متسائلا مضيق عيناه بتركيز عليه 


= وحكيتلي كل حاجه حصلت معاكي زي كده بالتفصيل؟ 


وكاني هنا قد رجعت مره ثانيه الى ارض الواقع، وقد امتلئت عيناي بالدموع


= بعد خطوبتنا باسبوع صممت انه لازم يعرف، و حكيتله بس مش كل حاجه، قلتله ان انا اتعرضت لي اعتداء جنسي بس ما قلتلوش مين اللي عمل فيا كده ولا انه حد من اهلي قريب مني، كالعاده بقول نص الحقيقه وانا خايفه من رد الفعل 


عقد حمزه حاجبيه بدهشة وقال بفضول


= وعمل ايه بعدها 


اجابته بصوت مرتجف وأنا امسح عيني بيدي بجمود


= اختفى! 


نظر إليه حمزه باضطراب قائلا بعدم فهم


= بمعنى ايه اختفى كان عاوز وقت يعني يفكر ويراجع نفسه هيقدر ولا لا يكمل معاكي؟ 


ظليت اتطلع اليه بصمت عدة لحظات و الألم ظهرت علي ملامحي بسهولة وضربه من جديد ممزقاً بقلبي.. لكنني تنحنحت قائله بعدم مبالاه بالنهاية و أنا احاول ان ابدو متماسكه


= لا اختفى بالمعنى الحرفي يعني ما بقاش يظهر في حياتي اختفى وما لقيتهوش بعد كده قدامي وما اعرفش راح فين لحد دلوقت، بس مش محتاجه تفكير كثير اكيد بعد عني عشان حس أنه مش هيقدر يكمل مع واحده زيي


عندما رأي حمزه الالم يرتسم على وجهي فور سماعه كلماتي تلك التي اشعرتني بالإهانة حينها، هز رأسه وهو يده تضغط بقوة على اطار الطاوله أمامه ثم زفر بحنق قائلاً و أنا ارفع وجهي اليه


= ريحانه ما تقوليش على نفسك كده وانا اسف يعني بس هو انسان جبان لان حتى لو مش قادر فعلا يكمل معاكي بعد إللي عرفه عنك كان على الاقل يقف قدامك ويقول لك انه مش عاوز يكمل بس عشان هو جبان ما قدرش يواجه! لكن انتي ما لكيش ذنب انتي كنتي ضحيه وكنتي عاوزه تكوني صريحه معاه وما تكذبيش عليه.. انما هو اللي مش قد المسؤوليه ولا اد الحب اللي حبيتيه لي، عشان كده بكل بساطه اختفى وهرب... بس انتي ما تستاهليش كده ولا انك تحسي لحظه واحده انك قليله في نظر اي حد مهما كان مين 


اومأت برأسي بصمت فقد كنت بحاجة إلى تلك الكلمات بهذا الوقت اكثر من اى وقت مضى حتى اهدئ ما يثور بداخلي من خوف و قلق فانا أصبحت كلما أسير بطريق جديد اعلم مدى قذارة الناس المحيطة بهم... اخذ حمزه ينظر إليه بحنان محاولة تهدئتي و امتصاص حزني فقد كان يعلم مدى صعوبة ما يحدث عليا..


ثم رأيته متناول من بين جيبه منديل أبيض من القماش المطرز بشكل جميل واضعاً اياه فوق الطاولة امامي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء وبعدها لينهض للخارج..


بينما أنا استغربت ثم رفعت يدي بتردد لأخذ المنديل لامسح دموعي دافناً بوجهي وانا أتنفس لاشتم رائحته فيه بعمق ابتعدت قليلا على وجهي وقد فتحته لأجد مكتوب عليه بخط صغير بالخيط الذهبي "الأمل لا ينطفي" لاجد نفسي ابتسم بخفه دون اراده. 


***

تشدد جسد زبيده بذهول وصدمه فور سماعها كلماته الاخيرة تلك و صوت اسماعيل الغاضب يعصف بانحاء الارجاء بقسوة


= سؤالي هنا انتي كنتي فين من كل ده؟ عايز اعرف ما كنتيش تعرفي ولا عندك خبر عن القرف اللي بيعمله ابنك في بنات الناس ومع اكثر من واحده.. ردي عليا كنتي فين من كل ده؟ 


قـبـل عـده سـنـوات! 


في أحد المدرسة المشتركه بين صبيان وفتيات، بداخل مكتب المديره كان هناك صياح واصوات عاليه والجميع يتحدث في نفس واحد.. بينما هتفت زبيده بنفاذ صبر وضيق 


= انا مش فاهمه منكم حاجه ممكن واحد بس اللي يتكلم عشان نسمع بعض، دلوقتي حضرتك اتصلتي بيا وجبتيني على ملا وشي وقلتلي ابنك عمل مصيبه اديني جيت، ايه هي المصيبه اللي عملها بقي


صمت الجميع قليلا لتتحدث الاخصيه الاجتماعيه بالمدرسة قائله بجدية


= يا مدام زبيده الطالب حمدي كذا مره نلاحظ عليه سلوك غريب ومش كويس ،يعني لما الاطفال بينزلوا مع بعض حوش الالعاب بيستغل أن البنات بيلعبوا و بيدخل وسطيهم ويفضل يضايقهم ..الاول قلنا انه طفل مشاغب وبيلعب وبيغلس عليهم عادي.. لكن لما توصل انه يحضن ويبوس البنات اظن لازم اقول لحضرتك واجيبك عشان تتصرفي 


عقدت زبيده حاجبيها بدهشة و استنكار قائله بعدم فهم


= اتصرف في ايه ما انتي قلتيها بنفسك طفل صغير وعاوز يلعب وبيغلس عليهم عادي مش اكثر 


اتسعت عينا الاخصيه بصدمه وغضب مكتوم من اجابتها وعدم اهتمامها بالموضوع لتقول بلهجة ساخره


= يعني حضرتك شايفه لما يحضن ويبوس بنت زميلته في المدرسه هنا بالغصب كده لعب! لا معلش ده اسمه تحرش، ولازم ابن حضرتك يعرف ان السلوك ده غلط من دلوقتي و لازم يتعاقب عليه كمان عشان ما يكرروش ثاني 


لويت زبيده شفتها بسخرية واستهزاء فهي لا ترى أي خطوره بالامر لتقول قبل ان تستدير اليها مغمغة بحدة و نفاذ صبر


= تحرش مره واحده، ده طفل عنده تمن سنين حضرتك واعيه علي كلامك انتي مالك مكبره الحكايه كده ليه ما تركزش معاه وهو مش هيعملها ثاني، هو ده يفهم يعني ايه تحرش اصلا ده طفل صغير 


كادت أن تتحدث الاخصيه مره ثانيه بحده لكن اوقفتها المديره باشاره بيدها بهدوء لتتحدث هي قائله بوقار


= استاذه زبيده الموضوع كبير اصلا وهي بتبدا من السن ده الجسم والعقل بيبدا يوعى ويركز في اللي حواليه وهو فعلا لو موضوع كان اتكرر مره واحده ومعدهاش ثاني كنا ما ركزناش معاه ولا جبت حضرتك لحد هنا، وبعدين جاءلنا شكوى من زمايله البنات في الفصل معاه اكثر من مره، الافضل تخلي بالك منه من دلوقت بدل ما يضيع والموضوع يتطور معاه.. ولازم تقعدي معاه وتفهمي هو بيتفرج على ايه ولا بيشوف إيه عشان يعمل السلوك ده 


تحول وجهها إلى اللون الأحمر بعصبية شديدة ، ونهضت بحدة عندما شعرت من الطريقة التي تتحدث بها أنها تعني أنها كانت أم مهملة في تربية طفلها. صاحت بصوت حازم جدا.


= لا انتي زودتيها قوي وانا هخلي ابني مثلا يتفرج على ايه عشان يتعلم حاجات زي كده ما تحاسبي على كلامك ،ما هو العيب عليا انا، أنا إللي جبت ابني مدرسه زي كده كنت فاكرها محترمه شوفي انتي يا حضره المديره اللي أنتم بتعلموا للاطفال اصلا قبل ما تحاسبيني، و ما تجيبوش اهمالكم فيا 


***

بداخل منزل زبيده كانت زبيده تقف بداخل غرفه حمدي البالغ من العمر اربعه عشر عاماً، فكانت تنظف الغرفه باهتمام حتي وصلت الى مكتبه لتفتح الادراج لتنظفها من الداخل لكنها توقفت عما تفعله بدهشة عندما وجدت بعض المجلات الاباحيه والصور لفتيات عارية بدون ملابس تقريبا، شهقت زبيده بعدم تصديق و شعرت بالاشمئزاز منهم.. ليدلف في نفس اللحظة حمدي من الخارج الذي تجمد مكانه من الرعب عندما وجد والدته تمسك هذه الاشياء بيدها، ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يتقدم منها بتوتر شديد 


= يا ماما قلتلك بدل المره عشره ملكيش دعوه باوضتي وانا اللي هاروقها بنفسي برده بتدخلي الأوضه من ورايا


نظرت إليه بحده وقالت بصوت غاضب


= هو انت مفكر نفسك قاعد في لوكنده انا ادخل الاوضه اللي تعجبني يا بيه وبعدين ما تداريش في الكلام ايه القرف ده، ايه المجلات والصور الزباله دي بتعمل ايه في الاوضه 


صمت حمدي بخوف وقلق يفكر ثم هتف مرتبك


= دي بتاعه واحد صاحبي ونسيها معايا 


ضغطت زبيده علي شفتها بغيظ شديد ثم قالت بحده


= يبقى ترجعله على طول وما تصاحبش اشكال زي كده تاني فاهم 


اوماء برأسه عده مرات بارتباك بينما ألقت والدته المجلات والصور بوجهه وهي ترمق حمدي بنظرات تملئها الاشمئزاز


= امسك الله يكسفك ده انا مش قادره ابص فيها كاتك القرف انت وصاحبك 


***


كان حمدي يسير في المنزل بخطوات مذعورة وهو يستمع إلى صياح والدته من النافذه في الخارج مع احد الجيران، ظل حمدي واقفة في مكانه بتصلب يتطلع باعين متسعة بالخوف حين اقتربت منه والدته بوجه قاتم، ليقول متسائلا باستفسار بصوت متوتر 


= في ايه يا ماما؟ صوتك طالع بره مع مين هو انتي كنتي بتتخانقي مع الجيران 


اقتربت والدته منه بينما اخذ جسدها يهتز من شده الغضب الذي كان يعصف بداخلها هاتفه بنبره شرسه


= تعالي هنا يا أستاذ يا اللي على طول جايبلي المشاكل ووجع الراس مع الناس.. هو انت صحيح بتقف على ناصيه الشارع مستني بنت عمك محمود اللي ساكن في الدور الخامس وضايقت بنته او لمستها 


نظر لها حمدي و وجهه شاحب من شدة الخوف والرعب بأن يتفضح امره وتعرف والدته الحقيقه بان بالفعل يتحرش بابنه صاحب العمارة، ليندفع قائلا بسرعه ولهفه


= دي كذابه طبعا وانا هعمل حاجه زي كده ليه انا مالي ومالها ده هي اللي حاولت تكلمني وكانت عاوزه تديني رقم تليفون البيت بس انا ما رضيتش تقوم تلبسني مصيبه .. اوعي تصدقي حاجه زي كده يا ماما انا عمري ما هعمل كده طبعا


زمجرت زبيده من بين اسنانها وقد اوشكت علي ان تفقد السيطرة علي غضبها وهي تقول بحده


= انا برده قلت كده تلاقيه هو عشان متغاظ مننا و عاوز يمشينا من العماره ويبيعها بسعر اعلى.. فتلاقيه فكر يجيبها من الناحيه الثانيه ويقولي ربي ابنك إللي بيضايق بنتي في الراحه و الجايه لاما تمشي من هنا


هز رأسه بسرعه حمدي مرددا بالتاكيد حتى ينفي التهمه عنه 


= ايوه بالضبط كده.. تلاقيه عشان عاوز يمشينا من العماره.. وبعدين هي مين دي اللي ابصلها دي طفله ما كملتش سبع سنين قدي دي عشان اجي جنبها ولا افكر اعاكسها حتي


هزت رأسها بضيق لتقول بنبرة غليظة حادة يتخللها التهكم


= بس بعينه بالعند فيه انا قاعده فيها طالما وصلت انه يتبلى علي عيالي بالباطل 


ظل اسماعيل يقف بمكانه عدة لحظات بجمود و هو يتطلع الى والدته باعين مظلمة ممتلئة بالغضب العاصف قبل ان يقول بصوت ساخراً بحده


= وانتي كنتي بتصدقيه على طول وتثقي فيه للدرجه دي؟ يعني كل اللي حواليكي كانوا غلط وهو الوحيد اللي صح 


ابتلعت الغصة التى تشكلت بحلقها وهي تتذكر

جميع ما حدث و الشكاوي التي كانت دائما تاتي إليها بسبب ابنها حمدي لكنها حينها لم تأخذ خطوه واحده ضده للعقاب ولا للتحدث معه عن اخطاؤه لتقول هى بينما تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها اعذار ولا أحاديث لها فائده له


= مش هنكر اني اوقات كثير كنت بصدقهم أو أشك بس كنت بكذب نفسي وبكذبهم هم كمان واقول لهم لا ابني ما فيش احسن منه ولا في اخلاقه وتربيته وعمره ما يعمل حاجه زي كده غلط أبدا، انا ابني دائما صح و عمره ما يكذب ولا العبه تطلع منه.. كان لازم اطلع ابني بريء في نظرهم ونظري انا كمان!! و كنت بقول طيش شباب وهيروح لحاله لما يكبر ويتجوز هيعرف يفرق بين الصح والغلط بس ما توقعتش ان الامور توصل لكده أبدا 


هتف اسماعيل بصوت ممتلئ بالغضب


= وهو هيعرف الصح والغلط منين اذا كان امه نفسها مش معترفه انه غلطان وبتدافع عنه وعن اخطاؤه وبتلاقيله حجج واعذار عشان يفضل مستمر في الغلط 


ليتوقف لحظات وعقله يراجع كلماته ليشعر بالم حاد بين ثبات قلبه يعتصره بعنف وقسوه ، ليتحدث وهو يشعر بتانيب الضمير فهو ايضا كان يزيف حقيقه المجتمع الى ابنته مثلها


= وانا كمان كنت بصور حقيقه المجتمع وارسم لي بنتي حقيقه ثانيه مزيفه عشان ما تتصدمش بالواقع. ويا ريت جاءت على كده وبس لا كمان كنت بجيب الغلط على الضحية زيي زي غيري ،يمكن تكوني انتي السبب كمان عشان ربيتينا كده من البدايه


اتخذت زبيده خطوة نحوه و قد ألمتها سماعه كلماته تلك ولكن توقفت عندما رفع اسماعيل عينا ينظر بعجز الي والدته التى اشتد بكائها مما جعله يومأ برأسه نحوها بحزن هامساً لوالدته بصوت مختنق


= وانتي كمان السبب في اللي وصل له ابنك بسبب دلعك الزياده لي، انا فاكر إني كنت دائما بقول لك زمان خفي دلعك الزياده لي انتي كده هتضري مش هتصلحي بس انتي كنتي دائما شايفه انك صح وتقوليلي سيبني اعوضه، على الأقل انت واختك شفتوا ابوكم وعشتوا معاه شويه قبل ما يموت.. لكن هو يتيم الاب من وهو عنده سنتين وما لحقش يشوفه ويشبع منه.. وادي النتيجه في الاخر اول ناس اذاهم هم اهله فرحانه دلوقتي مبسوطه بتربيتك ولا لسه؟ 


أنزل رأسه بعجز وقله حيله و هو يهتف بشراسة و غضب و قد بدأ يفقد السيطرة على غضبه فكل ما يحدث يضغط على اعصابه و قوة تحمله سيجن حتماً 


= انا كنت بعتبر ابنك أبني أنا كمان مش اخويا بس، و رغم ان احنا من ام واحده بس، لكن عمري ما حسسته بالفرق ده وكنت بحاول اعوضه واعتبرته اخويا بجد وفي الاخر يطعني في ظهري ويؤذيني الاذيه دي قوليلي انا عملت له ايه عشان ما يلاقيش غير بنتي ويكسرني بيها الكسره دي.. قوليلي ايه الغلط اللي انا عملته مع ابنك عشان يضرني في بنتي ويوجعني كده قوليلي انا قصرت في ايه عشان يحسرني على شباب بنتي كده ويوجع قلبي عليها


اجابته زبيده قائلة و القلق و الخوف عليه يعصفان بداخلها وهي تمسح بيدها المرتعشة الدموع العالقة بوجنتيها


= حقك عليا انا يا ابني معلش


اتسعت عينا بشراسة ليجز علي اسنانه المطبقة بقسوة ليصيح باعين ممتلئة اخيراً بالادراك... كما لو كانت هناك غمامة على عقله و تم ازالتها، صائحا بعنف شديد


= معلش! ليه هو ابنك كان داس على رجلي بالغلط.. بس ليكي حق تشوفيها حاجه عاديه ما انتي عمرك ما هتحسي بيا ولا تتخيلي انا حاسس دلوقت بايه ،انا حاسس نفسي مش راجل ما قدرتش احمي بنتي وما زلت عاجز ومش عارف اعمل ليها ايه مش قادر حتى اطلب منها تسامحني! ما هي هتسامحني على ايه ولا ايه؟ على اهمالي ليها واني ما كنتش الاب اللي هي تستاهله ولا صدقتها ولا كنت جنبها في اكثر وقت محتاجه لي، ولا عارف اجيبلها حقها ومن مين من اخويا؟ اقول لك على حاجه انتي بتحمدي ربنا أن إبنك دلوقت مات، عشان انا اللي كنت زماني قتلت بيدي دول لو كان لسه عايش.. 


وضعت والدته يدها فوق فمها بضعف وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة بيأس ثم تحرك وهو يسير بثقل على قدميه قائلاً بهدوء يعاكس الاعصار القائم بداخله 


=جايز مش هقابله في الدنيا بس اكيد هقابله في الاخره و ساعتها عمري في حياتي ما هسامح! 


اشعلت كلماته تلك الالم الذي ينبض بداخلها وقد تذكرت والدته أن الذنب الذي فعله ابنها ليس قليل علي المغفرة والتسامح فهو توفاه الله وهو كأن يفعل ذنب شنيعه من الكبائر ولم يفكر في التوبه طول حياته مطلقاً ولا فكر بأن الله شديد العقاب. 


***

لتتجه دهب نحو فراشها تحضن دميتها بين ذراعيها لتدفن الاخيرة وجهها بصدرها تبكى بشهقات ممزقة بخوف و رعب.. حتى ظلت هكذا لحظات تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها حل اخر غير الصمت والتماسك حتي لا يعلم احد من اهلها ما حدث معها منذ شهرين وبالتحديد والدها.. فهي اصبح تترعب من رده فعل حينها وعقلها مستمر في نسج سيناروهات قاسيه عندما يعلم والدها بما حدث.


فور ان دلفت رحاب متجهه بخطوات مترددة نحو غرفة دهب ابنتها ليصل الي سمعها صوت اناتها وهي تبكي بشده زفرت رحاب بخوف و النيران التى بصدرها تشتعل اكثر و قد تأكدت من شكوكها بأن يوجد شيء قد حدث مع ابنتها الصغيرة وهي تخاف ان تقول... ارتجف جسد دهب عندما شعرت بأن والدتها خلفها اعتدلت بسرعه بخوف بينما تقدمت منها رحاب وقالت بهدوء و عينيها مسلطة عليها بتركيز و اهتمام تراقب ردة فعلها


= انتي كويسه يا دهب مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟ 


صمتت ولم تجيب عليها و هى تحيط جسدها المرتجف بذراعيها ثم ربتت رحاب على ظهره قائلة بحنان


= حبيبتي مش انتي بتحبيني يبقى ما ينفعش تكذبي عليا ولا تخبي عليا حاجه مش كده؟ قوليلي مالك خايفه من ايه ومش عاوزه تقولي لينا


لتقول دهب وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة


= هتزعقيلي زي بابا وهتضربيني 


لتحاول ان تطمئنها وتتحدث معها بلهجه تملاها الحنان والمرح قائله بابتسامه عريضه وهي تاخذها بين احضانها الدافئ


= لا طبعا مين قال كده وبعدين بابا زعق عشان كان خايف عليكي وانا مش هعمل زيه.. ده انتي حبيبتي وروحي و اخر العنقود و آخر حته من قلبي.. يلا يا حبيبتي احكيلي وما تخافيش مني، وما ينفعش اصلا تخافي مننا احنا بالذات ،عشان احنا اهلك وعايزين دائما الخير ليكي


***

فور ان دلف اسماعيل الى المنزل اتجه بخطوات بسيطة الى داخل غرفه ريحانه فهو يعرف ان زوجته اصبحت طول الليالي السابقه تجلس بداخلها ولا تخرج منها وتقيم فيها الليل حتى تنام داخل فراش ابنتها وتصلي وتدعي لها، فتح الباب و دلف اسماعيل الى الغرفة بوجه يظهر عليه على الاكفهرار و الاغتمام لكن نشوي تجاهلته و ركزت عينيها علي الصور والالبومات المنتشره في الارض تحتها التي كانت تتفحصها بعنايه شديدة لكنها اخفضت عينيها عندما ظهر امامها قائلا بدهشة


= بتعملي ايه يا نشوى؟ 


ابتسمت بحب وهي تشاهد صور براءه ابنتها قبل ان تغتال على يد ذئب بشري، لتقول بنبرة شارده


= تعالي بص يا اسماعيل وانا بدور في اوضه بنتك لقيتها لسه محتفظه بالبوم الصور وهي كانت صغيره وصور وهي لسه مولوده كانت شكلها حلو قوي وهي صغيره، يا ريتها ما كبرت وفضلت بين يدي و قدام عيني على طول الـ 24 ساعه


تصلب جسد اسماعيل فور سماعه كلماتها لكنه لم يتفاجئ فاصبحت الفتره الاخيره تصرفاتها غريبه منذ حادث ابنتها، شحب وجه نشوي فور ادراكها معنى كلماتها تلك لتشعر بانفاسها تنسحب من داخل صدرها و امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بخيبة أمل و الخجل من نفسها


= ولا انا كنت من زمان ام مهمله معاها ومش بهتم بيها.. اكيد كنت كده برضه.. بس لا انا فاكره المرحله دي لما كانت بتكبر بين ايدي 


ثم هتفت فجاه بصوت عالي مرتجف من بين شفتها وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف


= بص كده يا اسماعيل الصوره دي ما كانتش بتضحك قوي فيها! تفتكر هنا كان حمدي عمل ليها حاجه بس كانت صغيره قوي يا حبيبتي.. يا قلبي كانت لسه بتكبر و ملامحها بتبان ليه يطفيها كده ويخليها تعبانه وزعلانه من صغرها 


اجابها بهدوء يعاكس النيران التى تغلى بعروقه قائلا


= نشوى اقفلي اللي في ايدك ده و بطلي تفكري في الحاجات دي وتتعبي نفسك على قله فايده اللي حصل حصل خلاص.. التقصير جاي مننا احنا الاثنين مش هيفيد بحاجه لما كل واحد يقعد يرمي عن الثاني الغلط عليه بدل ما نقف ونحل 


لم تهتم بالحديث وصاحت بغضب شديد وهي تقلب بالصور مثل المجانين و تنظر اليهم بعينين تلتمع بوحشية عندما لم تجد تاريخ خلف الصور، مما جعلها تخفض عينيها في ذعر و خوف


= هي الصور دي ازاي مش وراها تاريخ ولا مكتوب عليها حاجه من وراء.. انا كنت عاوزه اعرف هي عندها كام سنه هنا هي قالت انه كان بيستغلها من وهي عندها خمس سنين ازاي انا مش كاتبه على كل صوره سن بنتي ولا حتى عارفه اخمن من الصور هي عندها كام سنه.. اكيد الحيوان اخوك هو السبب انها ما تبقاش فرحانه كده في الصور.. بس انا زي ما كنتش واخذه بالي أنها مش فرحانه.. هو انا كنت مهمله فيها اوي كده من وهي صغيره 


فرك اسماعيل وجهه و هو يلتقط نفساً عميقاً محاولاً تهدئت الالم الذي ينبض بداخله من رؤيتها تعاني هكذا وتحمل نفسها الذنب كامله بهذا الشكل مقارناً حالتها تلك بالماضى، هز رأسه محاولاً طرد افكاره تلك و التركيز علي ما اتى من اجل حماية طفلته الوحيدة ومحاوله اصلاح اي شيء تبقي، بينما شهقت نشوي بقوة لتقول بألم و بكائها يزداد


= انا ما استاهلش تكون بنتي يا ريتني ما كنت بخلف احسن ولا اعذبها واهمل فيها كده.. حتى اكثريه المناسبات مش فاكره كنت بصورها ليه.. 


زفر اسماعيل بعنف و النيران التى بصدره تشتعل اكثر وقال بصوت مخنوق


= شيء طبيعي ما تبقيش فاكره يا نشوي ،الصور عدى عليها سنين طويله 


لكنه حديثه لم يريحها بل ظلت تجلد نفسها بشده وقوه.. انتفضت لتنهض أمامه تدفعه بصدره هاتفة بصياح حاد و انفس لاهثة 


= لا العيب مش في السنين واننا مش فاكرين، العيب فيا وفيك احنا اب وام مهملين احنا ما كناش قد المسؤوليه.. امال بنتنيل نخلف ليه لما احنا مش عارفين نربي عيله صغيره ولا كنا حاسين بوجعها ولا قادرين نحميها من غدر البشر.. احنا ما نستهلهاش وما نستحقش يكون اسمنا اب وام 


توقفت عن الكلام فجاه ثم تطلعت اليه بنظرة يملئها العذاب وهي تعلم أنها تستحق هذا.. بعد ما فعلته بها و عدم اهتمامها الكافي بـ ريحانه شعرت كما لو سكين حاد يغرز بقلبها...ثم أشارت إلى نفسها تصرخ بألم وهي تبكي


= بالذات انا، أنا استاهل كل اللي يجريلي عشان ما كنتش بسمعها ولا اديها فرصه تتكلم؟ و عشان ما كنتش قريبه منها كفايه؟ وعشان ما كنتش باركز معاها واشوفها تعبانه ولا زعلانه من ايه؟ انا كنت فين من كل ده ازاي كنت مغيبه على بنتي كده ومش واخذه بالي منها.. اززاي 


أكملت صرختها نشوي بصوت مرتجف و قد شحب وجهها من شدة الذعر و الخوف


= وفي الاخر بنتك هي اللي محبوسه واحنا اللي بره، احنا اللي نستاهل الحبس والشنقي مش هي احنا ما نستاهلش نعيش بعد اللي عملناه في بيتنا.. ايوه المفروض احنا اللي نتحاسب مش هي.. المفروض الحكومه بتاعتك دي تحسبنا احنا وكل اب وام زينا ما يستهلوش انهم يكونوا عندهم اولاد 


صرخت نشوي منتحبة عندما اخذت تشعر بألم شديد متتالي قاسي داخلها وهي تشعر بالذنب الشديد تجاه ابنتها وتقصرهم نحوها، بينما أكملت تصرخ به و هي في حالة شبه هستيرية


= اه يا بنتي قلبي واجعني عليها قوي يا اسماعيل ما بقتش عارفه اعيش من ثاني وضمير يؤنبني بالشكل ده، انا زي هكمل حياتي من غيرها ازاي هعرف اعيش في الدنيا وهي مش مسامحاني.. قل لهم ياخذوني انا ويسيبوا بنتي.. آآآه يـا ريـحـانـه


بينما شعر اسماعيل كامل جسده متصلباً بينما تضيق به الانفاس كما لو منع عنه الهواء فجأة ليشعر كأنه وسط جحيم يشعل جسده بنار لا يستطيع تحملها وهو يقف عاجز يشاهد زوجته تنهار من الالام على ابنتهم...


❈-❈-❈


جلست رحاب بجانب زوجها و شهقات بكائها تتعالي وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف علي ابنتها و اخذت تنتحب وهي في حالة شبه هستيرية.. لكنها انتفضت بمكانها فازعة عندما نهض زوجها بدر بحده قبل ان يغمغم بقسوة


= هو ده اللي ربنا قدرك عليه هتقعدي تعيطي جنبي بعد المصيبه اللي انتي قلتيهالي يعني طلع فعلا كلام الظابط حقيقي مش كذب والهانم بنتك راحت مع الراجل برضاها 


هتفت بصوت باكي ميت بينما كتفيها منحيين و الالم يلتمع بعينيها بوضوح


= امال عاوزني اعمل ايه بعد اللي عرفته من بنتك ده لولا ريحانه لحقتها في اخر لحظه كان زمانها 


لم تقدر على تكمله جملتها لتنفجر في البكاء و هو صائحاً بشراسة مرعبة و يكاد يكون خارج السيطرة


= وبنتك كان عقلها فين لما راحت لوحدها مع واحد غريب ما تعرفوش ..وانتي يا هانم كنتي فين وسايبه بنتك في الفرح لوحدها انا مش نبهت عليكي اكثر من مره ما تغيبش عن عينك لحظه واحده


أسرعت رحاب تهتف بتبرير


= والله العظيم كانت جنبي طول الفرح وانا كنت بابص عليها كل شويه لما كانت بتبعد عني، بس بنتك روان كانت عايزه تدخل الحمام ومكسوفه تدخل لوحدها عند ناس غريبه قالتلي تعالي معايا واستنيني بره وانا رحت معاها وماجاش في دماغي ان ممكن ده يحصل 


اجبر بدر شفتيه علي التحرك قائلاً بصعوبة و هو يشعر بالقلق علي بناته من القادم


= يبقى اكيد كان بيرقبك واستغل أنك مشغوله مع بنتك الثانيه وراح يلعب في عقل العيلة الصغيره الثانيه عشان يستدرجها ..هي فين بنتك صحيح 


تحرك قاصد غرفه دهب لكن توقفت رحاب أمامه و عيونها متسعة بحده وهي تمسك بكتفه وصاحت بعصبية حادة 


= استني هنا انت رايح فين رايح تتخانق مع دهب صح.. ما انت لسه قائل بلسانك انها عيله صغيره ومش فاهمه حاجه هي ايه ذنبها الزفت الحيوان الثاني هو اللي ضحك عليها واستغلي سنها الصغير بانها مش هتعرف تدافع عن نفسها ، اياك تقرب منها يا بدر كفايه اصلا بسبب زعيقك المره اللي فاتت خافت منك انها تتكلم وتحكي لينا اللي حصل، و لولا إللي انا اخذت بالي ما كناش هنعرف حاجه ونسيبها يعيني تعاني مع نفسها واحنا مش دريانين بحاجه.. والله العظيم حتي لو فيها طلاقي منك يا بدري ما هتمد ايدك على البنت دي سامع ولا لا هو انت كده بتحل يعني


اتسعت عينا بغضب مكتوم وصمت بينما اخرجت زوجته صوت صغير متألم كان كسكين يغرز بقلبها وهي تقول بين دموعها بتوجس


= معنى كده اللي بنسمعه في الجرايد والاخبار صح عن ريحانه وعمها فعلا اعتداء عليها وهي صغيره.. يعيني يا بنتي عليها هي كمان ربنا يسترها معاها ويبارك ليها زي ما سترت على بنتي ولحقتها كان زمانها دلوقت واحده من الضحايا اللي بنسمع عنهم ..يا ريته كان عايش كنت انا اللي قتلته بيدي الكلب ده، احنا مديونين بكثير لريحانه لازم نروح نشكرها بنفسنا


قاطعها بدر بلهجة صارمه شديده قائلا


= ولا تشكري حد ولا تنيلي حاجه ،خلاص الموضوع ده لازم نقفل عليه و لا اكننا عارفنا حاجه ولا عاوزه سيره بنتك تبقى في الجرائد والاخبار هي كمان!! 


همست بعدم فهم وهي تتطلع اليه باعين متسعة ممتلئة بالارتباك


= انت بتقول ايه يا بدر، بس حسب اللي عرفناه ان شهاده بنتك هي اللي هتنقذ ريحانه من حبل المشنقه


أردف وهو يتنفس الصعداء بصعوبة ونبرة المرارة الموجودة فى صوته وهو يقول بصوت مختنق مرتجف


= بس سمعه بنتك ومش هي بس لا بناتك الثلاثه كمان هتبقى على كل لسان وما حدش هيصدق انه ما لمسهاش وكل واحد هيقول كلمه ويزود من نفسه في عرض بنتك.. ده غير دي قضيه بتتسجل في المحاكم يعني بنتك لما تكبر و واحد يجي يتقدملها وهيسال عليها طبعا وعلى سمعتها هيعرف على طول موضوع القضيه وان في حد حاول يعتدي عليها 


قد شحب وجه رحاب فور ادراكها معنى كلماته تلك فهي لم تحسبها ذلك، شعرت فجاه بانفاسها تنسحب من داخل صدرها كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حولها حين فكرت في ذلك بالفعل، امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بالعار و الخجل علي بناتها.. بينما جلس بدر بمواجهتها مائلاً الي الامام و ظل ينظر اليها حتى بادلته بتردد نظراته وهو يهتف بجدية


= ولو قعدنا من هنا لمئه سنه نحلف لكل واحد ان بنتك بريئه ما حدش هيصدق عشان الناس مش بترحم.. عشان كده الأفضل نعمل نفسنا ولا اكننا عرفنا حاجه ولا الموضوع ده حصل، حتى بنتك نفسها لازم تنسى، والحمد لله ان ربنا سترها على بنتك لحد كده 


❈-❈-❈

قد جاء الموعد المنتظر وهو الحكم! لا اعرف هل سيكون القضاء على روحي ام الانتصار علي العادات والتقاليد التي ذبحتني بسيف حاد يغرز بقلبي كل ليلة ليقسم روحي نصفين... لكن عندما دلفت الى قاعه المحكمه هذه المره وجدت شيء لاحظته غريب كان يوجد العديد من الناس الحاضرين بالمحكمه لا اعرفهم جميعاً و كاميرات وصحافه واذاعه في كل مكان على عكس الايام السابقه، لم اعرف لما هذه المره كأن يوجد الكثير بالقاعه وينظرون اليه بتركيز واهتمام ويصوروني هكذا؟؟ 


بعد فتره توقفت خلف القضبان لا استمع قليلا من المرافعات والاحاديث وبعدها وجدت القاضي يطلب مني الحديث لكني همست بخفوت


= بس انا مش عاوزه اتكلم ولا ادفاع عن نفسي 


نظروا أبي وأمي إلي بعض بتوجس بينما اقترب مني مامون المحامي قائلا بجدية


= ريحانه مش هينفع كده انتي وصلتي لنقطه مهمه ما ينفعش تسكتي هنا خالص، و اذا كان مش علشانك فعشان غيرك ما يفضلش ساكت ولا حد يتحط في الموقف ده لازم تتكلمي يا ريحانه كفايه سكوت!!. 


نظرت إليه عده ثواني افكر بالرفض لكني تراجعت في آخر لحظة، واعتدلت واقفه ثم فتحت شفتي للحديث و اجبرت نفسي على النطق قائلة بصوت متحشرج خافت لا يكاد يسمع


= انا مش عايزه اتكلم ولا ادافع عن نفسي، انا لما كان عندي خمس سنين ما حدش كان عاوز يصدقني ولا يسمعني؟ ولا حد اصلا كان شايف معاناتي واللي انا فيه، انا كنت طول الوقت عايشه حياتي في خوف ورعب من كل الناس حتى اهلي نفسهم.. انا حتى كنت هتجوز بس عشان ابعد واهرب من كل الذكريات اللي حوالي الوحشه.. انما الجواز نفسه ما كنتش عاوزه كنت عايزه اتجوز بس عشان ابقي الاسم متجوزه واهلي يفرحوا بيا. 


كان يجلس حمزه بين الجميع وهو يراقبني باهتمام بينما انسحبت انفاسي من داخل صدري و أنا اكمل بهمس بصوت منخفض مرتجف


= انا اصلا كنت ناويه افضل ساكته وما تكلمش لحد ما تحكموا عليا الحكم اللي انتم شايفينه صالح ليا أو اموت وسري يتدفن معايا وما حدش يعرف حاجه


أخفضت أمي وجهها وهي تبكي بشده عليه بينما الدموع تنسدل من عيني المحتقنة بالألم و أنا اشرد في تلك الايام التى كنت اعاني بمفردي فيها...ثم همست من بين شهقات بكائي المنخفضة


= انا كنت طول الوقت بحس ان انا لوحدي رغم ان انا عندي اب وام.. بس بابا كان طول الوقت في الشغل ومش باشوفه غير فين وفين، بحكم شغله طول الوقت مطلوب منه أن يفضل متواجد 24 ساعه فيه..و ماما كانت مشغوله كمان في شغلها في المدرسة لفترات طويله.. وانا كان عندي وقت كثير فاضي بس ما كنتش بلاقيهم جنبي ولا في اكثر وقت كنت باحتاج ليهم.. بس كنت بلاقي غيرهم.. انا مش بلومهم على فكره بس في حاجات كثير كنت عاوزاها منهم و ما لقيتهاش.. كنت بابقى محتاجه كتير اوي ذي الامان ونصايح بس ما لقيتش الاثنين


أنزل ابي وجهه بقله حيله وهو يتألم من كلماتي،

سمعت بعدها صوت القاضي يسالني بخشونه قائلا


= قتلتي ليه حمدي عبد المجيد عمك يا ريحانه


شردت وانا أفكر في تفاصيل ذلك اليوم،كأن حينها اليوم المنتظر بشده من عائلتي انه يوم زفافي علي ابن خالتي ليس كانت بيننا قصه حب كان مجرد زواج صالونات كما يدعي، بدات اقص ما حدث تلك الليلة الماضية التي بعدها تغيرت حياتي بالكامل! لكن لم اعرف هل سوف تتغير الى الافضل ام سوف اغرق أكثر دون نجاه. 


تأمل الجميع بعطف وجهي الباكى الذي يظهر عليه الالم بوضوح و حالتي الرثة قبل ان اهز رأسي بضعف واغلق عيني وشعرت بثقل كبير يستقر فوق صدري فمن الصعب التحمل لكنني انا مجبره على الاستمرار


= أنا كل يوم كنت بصحى بقول هو أنا عملت ايه غلط!! كنت بسأل نفسي هو كان في حاجة ممكن اعملها زيادة وما عملتهاش؟ كلام حاولت بس ما حدش صدقني بعدت عنه بس هم اللي كانوا بيرجعوني ثاني لي او هو اللي بيجي ورايا.. ويكمل اللي بيعمله معايا من تاني


اكملت بصوت مرتعش من شدة الالم الذي ازداد عليا بينما هتفت بروحي الذابلة 


= عاوزه اقولك لحضرتك مش متخيل كم الاذى النفسى الى احنا بنمر بيه و كمية الطاقه الى بنحتاجها عشان نرجع طبيعيين و نتعامل عادى ، و بتعدى علينا فتره خايفين و مش عارفين نتعامل مع الرجاله ، و الاسواء اننا بعد ما نتخطى الموضوع ده بيحصل تانى


همست بصوت مختنق لا يكاد يسمع يملئه الخوف و الارتعاب وانا اوصف معاناه حقيقيه تحدث بالفعل! 


= للاسف البنات بتعانى فى الشوارع وبتفكر مليون مرة قبل ما تتكلم عشان حقيقة ان الستات نفسهم الى مش هيقفوا جنبي قبل الرجاله... مش قادره أصدق بصراحه ان في ناس للدرجة دي قلة نخوة لدرجة البنت لما حد يتحرش بيها يقولوا عدي واسكتي وبلا فضايح !


بدا معظم الفتيات الموجودين بداخل القاعه بالتاثر بحديثي ومنهم من بدا يبكي بصمت فمن المعتقد انني قد فتحت جراح كانت مغلقه.. هززت رأسي هامسة بنبرة متحشرجة بينما الدموع تملئ عيناي بمرارة


= الناس بقت تغلط اي بنت بيحصل فيها حاجه لمجرد أن صوتها على بيتقال لنا احنا اللى نسكت ونقصر ونحط لسانا جوا بوقنا ده غير أن المتحرشين مبقوش بيخافوا زي الاول لا بقى من عدم تدخل الناس فى بجاحه وممكن تتشتم وتضرب منه كمان، يعني لو بنت فكرت تعترض او تفضحه كمان بيطلع العيب عليها وهي اللي بتضرب وتتهان


اهتز جسد أبي بعنف كما لو صاعقة قد ضربته فور سماعه كلماتي تلك وهو يشاهد دموعي والمى ويستمع الى معاناتي، وبدا يشعر بالحسر والندم على الايام التي ضاعت وانا اعاني بمفردي دونهم.. ويتساءل داخله هل هذه طفله الصغيره الذي كان يعتقد أنها تعيش سعيده ولا تحتاج الى شيء بينما كانت تعاني بعيد عنهم في اللحظه الف مره يا حسره على رجولته التي لم تثأر لحق ابنته، فكانوا يقولون إن العار على الفتيات فقط فهذا خطا كبير فهو في تلك اللحظه يشعر بالعار الحقيقي والخجل من نفسه على مستقبل ابنته الذي اضاعه بيده. 


لن استطيع المقاومة بسبب الألم الذي بدأ يعصف به جسدي الذي اصبح واهن وشعرت إني سوف استسلم بأي لحظة، لكن صرخت متألمة وانا انفجر باكية شاعرة بألم قوي، لا اعرف هل اعاند نفسي ام الزمن


= المشكلة ان الناس ممكن تشوف دا بيحصل قدام عينيها و بيتفرجوا و محدش بيعمل حاجه واحنا اتعودنا نسكت و نجري من كتر الخوف اللي جوانا.. المشكله دايما في عقول المجتمع واراء هي اللي خلت المتحرشين يكتروا.. بس انا ما قدرتش اسكت زيهم واعمل نفسي ما شفتهاش وعمي بيحاول يعتدي عليها 


سقطت دموعي بغزارة وكلما كففتها تساقطت اكثر بحزن عليه.. غرزت اسناني بشفتي حتى ادمتها و تذوقت طعم الدماء بفمي لكني لم ابالى فقد كان الالم داخلي يكاد يمزقني الى اشلاء.. لذلك صممت على اكمال الحديث ربما لم اجد فرصه مثل هذه مره ثانيه 

وقلت


=احنا بنسكت من الخوف لان للاسف غالبا محدش بيعمل حاجه لراجل إلى بيتحرش وعلى فكرة والله العظيم بيتحرشوا بالمنتقبات والمختمرات والمحجبات والى بشعرها مش بيفرقوا... عشان هي ما لهاش قاعده عند ناس زي دول ما عندهمش ضمير


ظليت اتحدث واتحدث وشعرت بي اكثر من مره بفلاشات كاميرا تصورني لكني لم ابالي لها، وظليت اتحدث دون توقف.. رغماً إني شعرت فجاه بجسدي يأن بألم كما لو ان سكاكين تمزق جسدي و اسفل ظهري كان الألم رهيب لا يطاق من المجهود... لكن تصلب جسدي بقوة فور ان شعرت بدموع دافئ ينساب من بين عيني اخفضت عيني ببطئ ليتحول شحوب وجهي الى لون رمادى كما لو كنت قد فقدت الحياة، حاولت التمسك هاتفة بوهن 


= ومش شرط بس انسة ولا مدام بقي يتحرش بيها لا في بنات صغيرة بيحصل معاهم ده واكتر من كده وأنا مثلا أهو.. أنا وغيري كتير.. الفكرة اننا لازم نربي بناتنا من صغرهم اي موقف تتحط فيه شبه دا انها تزعق و لما تاخد الثقة دي من صغرها عمرها ما تخاف من اي شخص حتي لو كبرت ساعتها هتعرف تتعامل و تخوف الاشكال دي كويس يكفي بس نظرة غضب تبقي على وشها لما تلاقي حد مش مظبوط و اي حد مش مستريحاله متقعدش جنبه.. 


وفجاه ألتفت بجسدي رغم عني نحو الجميع وصرخت باعلى صوتي باكية عندما ازداد الالم في قلبي بشكل اصبح لا يطاق وانا احاول عدم وصل أي فتاه مكاني ولا تصل لذلك المرحله من حياتها مطلقاً


= انا باترجى وبطلب من كل بنت انها ما تسكتش لحد ما يوصل بيها الامر لنفس اللي انا وصلت لي دلوقت.. يا بنات متخافوش من الناس اللي حواليكوا اللي بيعمل فعلا كده بيبقي جبان يكفي بس ان لو حسيتي ان اللي قدامك مش مظبوط تصحيله كده عشان ميفكرش يمد ايده عليكي او حتي يبصلك خليكي دايما أنتي الاقوي مش الضعيفه.. بس

ما تسكتيش باترجاكم كلكم وخدوني انا مثال أهو فضلت ساكته سنين طويله وكتمه جوايا وفي الاخر انا اللي خسرت كتير قوي من عمري بسبب السكوت ده 


يصل الإنسان إلى مرحلة يكسر كل قيود الجراحات والآلام، يحاول جاهداً أن يعود إلى فطرتهِ النقية إلى الفكاك من قيود الخضوع للمشاعر والرغبة حيث أُدميَّ هو وقلبه تحت أهوائهما، فيقطع أشواطاً عديدة ليجد نفسه.. فيحتضن ما تبقى منها ويرأف بما بقيَّ من أرقام عمره، مستعيداً كل شيء.. بأملهِ وإيمانه وحُسن ظنه بالله وبنفسه.


بعد ساعات تواصلت في المرافعه ليقترب المحامي الخاص بي من منصه القاضي وهو يقول بنبرة وقار


= ريحانه ضحيه مجتمع بحاله ومش مجرمه زي ما العداله بتقول، ريحانه ضحيه عادات وتقاليد المجتمع اللي بيجبر البنات انها تسكت وما تتكلمش وما تدافعش عن حقوقها.. ومش بس قصه ريحانه لا في بنات كثير حصل ليها كده ولسه بيحصل ليها، زي القتيل حمدي عم ريحانه يا سياده القاضي التحريات اثبتت أن حمدي اعتدى واتحرش بـ 24 بنت وعمل فيهم نفس اللي كان بيعملوا مع ريحانه ..وده رقم تاكيدي لا ده احتمال يكون في اكثر من كده كمان والغريب ان ولا بنت من البنات دي قدمت شكوى واحده ضده ولا منها ولا من اهلها.. يعني حتى اهلهم ذات نفسهم ماوقفوش جنبهم ولا حد سمع ولا حس بالالام البنات اللي كانت بتعاني بعد اعتداء عليهم 


ثم اكمل المحامي حديثه وهو ينظر إلي الساده القضاء بثياب وجديه


= وكل ده وليه؟, عشان خايفين من العار و الفضيحه اللي هيرتبطوا بإسم البنت و والعيله طول العمر.. ندمر اجيال ونفسيات اطفال صغيره ما لهاش ذنب في اي حاجه غير أن شخص خسيس ليس له علاقه بالرجوله والاخلاق قام بابتزاز الاطفال لرغباته الشهوانيه ..هي دي العداله ؟ هو ده العدل يا سيدي القاضي؟ 


بعد ساعه من الجدل والسماع الشهادات والمرافعات ترك القاضي فوق الطاوله التي امامه قائلا الحكم بعد المداوله.


حتي بعد مرور ساعة رجعوا مره اخرى القضاء مكانهم.... ابتلع أبي ريقه بصعوبة شديدة و قلبه يقفز بداخل صدره بعنف وهو ينتظر حكم سماع القاضي بنفاذ صبر.. بينما أمي جالسه جانبه تطلع امامها باعين شاردة بينما وجهها يرتسم عليه الحزن و الالم و هي لا تكف عن القلق والتفكير بي... وشفايفها تتحرك بهمس تدعي الي بي إظهار الحق.


بينما أنا لا ايزال واقفه بمكاني خلف القضبان غارقاً بعالمي المظلم من المشاعر التى تتصارع بداخلي.


بعد دقائق اعتدل القاضي في جلسته قبل أن يهتف بصوت قوي حازم 


= حكمت المحكمه بحاله اوراق المتهم ريحانه اسماعيل عبد الرحيم الى المفتي ..رفعت الجلسه. 


هزت تلك الكلمات أرجاء المحكمة فبعد ساعات من المرافعه والاحاديث المرهقه والشهادات وصرخات الاهات و انينات الموجوعين قد وصلت القضاه الى ذلك الحكم القاسي! 


انتفض أبي و هو يشهق بلهاث حاد لا يصدق ما سمعه ليسقط مره ثانيه على المقعد بوهن بينما ضربات قلبه تتعاصف بداخله وهو ينحني راسه بين يديه بانكسار يتغلب عليه الشعور بالعجز و الذنب. 


بينما أمي اخذت لحظات حتي تستوعب ما سمعته لتنهض فجاه وصرخات متتاليه خرجت منها بقهر مريرة وهي تلطم علي وجهها بعنف وتضرب على قلبها بندم وحسره كما لو ان روحها يتم سحبها بقسوة من داخل صدرها...


ظلت على هذه الحاله تصرخ بهستيريه و قد اصبحت الرؤية امامها مشوشة بينما كامل جسدها يصرخ من شدة الالم و التعب وهي تضرب جسدها بقوة وتبكي بحرقه مقهوره من الظلم نحوي، بينما ابي جانبها يجلس بقله حيله على نفسه وعليها.. اخذت هي تضرب فوق رأسها بعنف وتلطم وجهها دون وعي حتي بدأت تشعر بالدوار الشديد ولم تحاول المقاومة و استعادة نفسها بلا تركت نفسها لتسقط فجاه مرتمية علي الارض و هى تستسلم اخيراً للغمامة السوداء التى ابتلعتها بداخلها.

الفصل الثاني عشر 


#روايه_صمت_الفتيات

‌✍️⁩ #بقلم_خديجة_السيد

______________


بعد سماعي حكم القاضي بالاعدام هذا شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بعروقي رغم اني من البداية قد علمت اني سوف اجازي اكبر عقاب بالقانون لأجل جريمتي فانا قد قتلت شخص بذاته ليس قليل ما فعلته حتي لا أستحق ذلك الجزاء، لكن لم أنكر أني قد كأن لدي بصيص امل بالنجاه من ذلك العقوبه فانا في النهايه قتلت روح حتي أنقذ براءه طفله صغيره من ذئب مفترس، لكن من الصعب ان يحسبها احد هكذا وينظر لي على اني ضحيه وليس مذنبة! 


ظليت صامتة اتطلع الي الفراغ باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث كان يمر امام عيناي صور لي وأنا مرتديا البدله الحمراء وأسير بضعف شديد وخوف الى حبل المشنقه ليتم تنفيذ حكم الاعدام! و سرحت أيضا في مستقبل عائلتي البائس بعد ذلك، فـ بالتاكيد الوضع لم يكن سهل على احد أبدا، تصلب جسدي من الصدمة واخذت امرر نظراتي المندهشة بين أمي و أبي الذين كانوا في حالة صعبه للغايه لا يصدق أحد إني قد تم الحكم عليه اخيرا بهذا الاتهام الشنيع بالاعدام.. و جذب انتباهي توتر جسد حمزة برغم انه كان يحاول الا يظهر ذلك من خلال طريقة وقوفه المتصلبة.


لكني خرجت من شرودي هذا منتفضة في مكاني بفزع عندما سمعت صرخات أمي بقهر مريرة تنوح عليه وتضرب نفسها بطريقه هستيرية وبعدها سقطت أرضا مغمي عليها ولم تنطق وأبي نهض بصعوبة شديدة و ثقل حتي يذهب يساعدها رغم تعبه هو الأخري.. كان منظر صعب جدا عليه وانا ارى عائلتي تنهار حتماً بسببي.


مما جعلني اخفض عيناي سريعاً وقد تسارعت نبضات قلبي خوفاً فور سقوط أمي وركض بعض الناس إليها ليساعدوها وانا خلف القضبان أقف بقله حيله عاجزة اخذت ضربات قلبي تقصف داخل اذني من شدة الخوف علي أمي التي سقطت أرضا ولم تفوق حتي الآن!! ولم اشعر بنفسي غير وأنا اضرب القضبان الحديديه بيدي الضعيفة بقسوة شديدة وعنف وصرخات الاهات خرجت مني بوجع قلب وقهر اللذان يعصفان بداخلي.. وكاني اريد كسر الحديد لاخرج اطمئن على امي. 


حتي بدأت يدي تحمر بشده من الألم وأنا مازلت اضرب بالحديد بيأس حتي سقطت علي ركبتي وانا ابكي بشهقات ممزقة بينما كامل جسدي يرتجف بقوة لي أعلم أنها النهايه.


***

قـبـل سـاعـه.


اسرع حمزه راكضاً ليجد مجموعة من الناس مجتمعة اتجه نحوهم على الفور يعبر بين الناس تجاه نشوي الملقيه على الارض ساكنة بجمود بوجهها الشاحب الذي كان يشبه شحوب الاموات واسماعيل يقف جانبها وجسده ينتفض بذعر شاعراً بالدماء تكاد تغادر جسده و عقله يصور له ابشع اللحظات ليجعله يقف بقله حيله مشلول ولا يستطيع التصرف؟ 


بينما اتجه حمزه و انحني عليها جاذباً زجاجة عطر من احدي الفتيات و وضع كميه منها اسفل انفها محاولاً افاقتها لكنها ظلت ساكنة لا تصدر اي حركة تدل علي استجابتها مما جعل الفزع يدب بداخل اسماعيل و قد بدأ عقله يصور له سيناريوهات بشعة حول موتها لكنه آفاق عندما


صرخ حمزه على الجميع بالابتعاد عنها وهو ينهض يساعد جسد نشوي علي النهوض ليقوم باخذها بسيارته حتي يأخذها المستشفي...


في الـوقت الحالـي.


كان اسماعيل واقفاً امام الغرفة التى ادخلت اليها زوجته و هو منحني الرأس ينظر امامه بصمت شاعر بقلبه يسقط بداخل صدره فور ان أستمع بنطق القاضي بالاعدام على ابنته وبعدها سقوط زوجته فاقده النطق و الحركه!! ظل واقفاً مكانه عدة لحظات يقاوم المشاعر التي تتصارع بداخله لكنه لم يستطع الوقوف جامداً حيث تغلب علي جسده و استسلم اخيراً وكاد أن يسقط لولا اسرع يمسك به كلا من حمزه وصديقه رشوان. 


ليجلسون أعلي المقعد بروح خاويه و باعين محتقنة شاردة فمنذ ان وصلوا الي المستشفي و هو علي حالته تلك؟ فقد كان ضائعاً.. عاجزاً بطريقة لم يعهدها من قبل... يشعر بانه سوف يخسر احدهم الليله لكن هل ستكون ابنته ام زوجته؟! فالاختيارين صعابين للغاية عليه! 


تنهد بصعوبة شديدة وهو ينتظر خروج اي احد من الغرفة التى دخلت اليها زوجته حتي يطمئن فهي لم تستعيد الوعي حتي الان و ان الطبيب يفعل ما بوسعه بالداخل ،فقد كان رشوان وحمزة يحاولون ان يطمئنه لكنهم فشلوا فقد كان الخوف يسيطر عليه خاصة كلما تذكر كيف كانت تبدو نشوي عندما اتى بها الي هنا....


راقب حمزه اسماعيل الذي يجلس يتنفس الصعداء بصعوبة وعينيه تفتح ببطئ قبل ان يغمغم حمزه بقلق شديد عليه


= ان شاء الله هتكون بخير شد حيلك انت بس 


ظل اسماعيل صامت لحظات ثم هتف بصعوبة


= متشكر يا ابني على مساعدتك لولا إللي انت خليتني نركب معاك العربيه عشان نوصل بسرعه المستشفى ما كنتش عارف ايه اللي هيحصل ليها ولا هاتصرف ازاي انا كنت واقف زي المشلول و مش عارف اتصرف ولا اعمل ايه، و لا دماغي تفكر


هز رأسه حمزه باعتراض وهو يقول بهدوء


= ما تقولش كده انا عملت الواجب.. حضرتك زي والدي وهي زي والدتي و ان شاء الله الدكتور هيطمئنك عليها


تنهد رشوان بعطف و اشفاق عليه ثم قال محاوله تشدد تفكيره 


= ده حمزه العطار الصحفي اللي كان بيحقق مع بنتك في الاول يا اسماعيل 


نظر إليه اسماعيل بدهشة ثم قال بوهن


= هو انت؟ رشوان قاللي عليك في الاول وبعد كده نشوى قالتلي ان في صحفي بيكتب على بنتك اخبار حقيقيه وبطريقه محترمه غير الثانيين مجرد عاوزين يعملوا شو من اخبارك مفبركه ويدخلوا في أعراض الناس وقالتلي على اسمك برده.. انا مش بتابع قوي نت ولا عندي فيسبوك بس نشوى كانت بتابع عشان اللي كانوا بيكتبوا الفتره الاخيره على ريحانه.. وانا كان نفسي اقابلك واشكرك بنفسي بس اديك شايف الظروف 


قطب حمزه حاجبيه قائلاً بجدية


= انا مش محتاج شكر من حضرتك عشان انا مش شايف نفسي بعمل انجاز انا مجرد بنقل الاخبار للناس بدون ما اجرح في حد ولا اشمت.. والمفروض كلنا نعمل كده 


هز رأسه اسماعيل بامتنان له ثم حمحم حمزه قائلا بتوتر


= المهم بخصوص قضيه انسه ريحانه انا عاوز حضرتك انت كمان ما تقلقش وتتماسك واني لسه في نقد و ممكن ترفع قضيه و..


قاطعه اسماعيل قائلا بصوت مرتجف فور سماعه يذكره بابنته و هو يغمغم بصرامة


= مش هيفيد بحاجه النقد طالما ما فيش دليل واحد على كلام ريحانه و انها فعلا ضربت حمدي عشان تنقذ طفله كان بيحاول يعتدي عليها، انا كنت ضابط و فاهم في القضيه دي كويس وكنت عارف اصلا الحكم في الاخر هيكون ايه بس كان عندي امل ومستني اي معجزه تحصل عشان بنتي ما تتظلم اكثر من كده.. بس اديك شفت اللي حصل النهارده والد الطفله هديه نفي و رفض يعترف بحاجه زي كده حصلت


نظر حمزه الى رشوان بياس وقله حيله، وكاد أن يتحدث حمزه مره ثانيه لكنه صمت فور ان سمع باب الغرفة يفتح، انتفض اسماعيل متجهاً نحو الطبيب برغم الارتجاف الذي بقدميه و قصف قلبه الذي يدوي بداخله من شدة الخوف الا انه اتجه سريعاً نحو الطبيب قائلاً بلهفة


= طمئني يا دكتور مراتي نشوى عامله ايه 


اجابه الطبيب بصوت يملئه الهدوء


= الحمد لله احنا عملنا اللازم بس الفتره الجايه لازم تكون راحه تامه عشان صحتها، عشان المره الجايه ممكن يكون في خطوره عليها والادويه لازم تاخذها بانتظام


شحب وجه اسماعيل ولم يشعر بالطمانينه ثم همس بصوت مختنق مرتجف


= هي فيها ايه بالضبط يا دكتور ما تخبيش عليا لو سمحت، عشان حالتها كانت صعبه قوي وانت اتاخرت جوه معاها


تنهد الطبيب ثواني قبل ان يتحدث قائلاً بأسف


= للأسف... جلطة في الوريد 


***

في اليوم التالي.


بداخل جريده الحقيقه دلف حمزه و علي وجهه تعبير مقتطب بحزن وهو يتذكر احداث الامس عندما هتف القاضي بالحكم بالاعدام على ريحانه وسقوط والدتها بجلطه في الوريد من الصدمه.. جلس حمزه أعلي المقعد بصمت على غير العاده بينما نظر إليه زميله في العمل الذي يجلس على المكتب أمامه ليعقد حاجيبه بدهشة متسائلا باستغراب


= صباح الخير يا حمزه اتاخرت النهارده ليه مش عوايدك يعني، انت كويس؟


هز رأسه بصمت و عينيه شاردة ثم تنهد حمزه مغمغماّ بتثاقل


= انا ما كنتش هاجي اصلا وماليش مزاج لاي حاجه اعملها بعد حكم امبارح في قضيه ريحانه ده غير انها ختمت في الاخر بي والدتها اللي تعبت وراحت المستشفى و جاءتلها جلطه من الصدمه، ربنا يشفيها ويصبرهم الله يكون في عونهم


تنهد زميله قبل ان يستدير إليه مغمغماّ بضيق و نفاذ صبر


= ما خلاص يا حمزه مش ملاحظ انك مهتم بالموضوع زياده عن اللزوم، حادثه زي غيرها وبعدين هو انت ناسي أنها قتلت في النهايه ولا ايه


احمر وجه حمزه بشده فور سماعه كلماته تلك و قد ارتجفت شفتيه في قهر دفين هاتفاً بلهجة غاضب


= هو انتم ليه كلكم بتبصوا على الصوره مش كامله هي فعلا قتلت بس قتلت ليه وقتلت مين؟ ريحانه قتلت واحد دمر طفولتها وطفوله اطفال غيرها كثير ويوم الحادثه اضطرت تدافع عن غيرها و تقتله عشان كان عاوز يضيع براءه طفله صغيره مكملتش سبع سنين و مش عارفين كانت هتبقى رقم كام من ضحايا المتحرش حمدي، ريحانه ضحيه مش مجرمه، وانا مهتم بالقضية زياد عشان هي مش مجرد قضيه قتل لا المفروض كلنا نبص ليها على انها قضيه ارواح بتتقتل يوميا ومش بنسمع عنها حاجه من خوفهم وخوف اهاليهم من الفضيحه و العار


ليكمل بحده يزفر بحنق وتعب و هو يغمغم بصوت مرتجف


= عرفت ليه بقى انا مهتم بالقضيه دي بالذات عشان نفسي بجد كلنا نتعلم من قضيه ريحانه وكل اب وام والبنات يعرفوا أن السكوت ممكن يوصلهم في يوم أنهم يكونوا مكان ريحانه.. طالما في ناس لحد دلوقت لسه شايفه وبتبرر لي المتحرشين وأن الغلط بيكون على البنت مش عليهم 


هز الآخر رأسه مرادفا بقله حيله


= طب يا سيدي بالراحه عليا انا بتكلم معاك عادي.. اديك بقيت تتكلم زي بتوع السوشيال ميديا 


أجاب حمزه و هو يرمق أياه بسخرية


= والله دول اللي جابونا وراء لان كل واحد عاوز يعلن عن الخبر بطريقه غلط عشان يجمع شويه مشاهدات 


هز رأسه برفض قائلا بسرعه


= انا مش بتكلم على دول انا بتكلم على اللي قلبين صفحات الفيسبوك والاعلام و الاخبار عن قضيه ريحانه هو انت ما شفتهمش ولا ايه؟ ده انت بالذات الصفحه بتاعتك مليانه تعليقات على التقارير و المنشورات اللي انت كنت بتنزلها عن القضيه 


تأففت بحنق مطلق لعنة منخفضة فور ما قاله زميله ليهتف بنبرة حادة


= انا ما شفتش حاجه بس تعليقات ايه و إللي ناشرينه علي الصفحات يخص قضيه ريحانه تاني، هم لسه بيقطعوا في سيرتها كفايه إللي أهلها فيه، ما تلاقيهم جاءتلهم على الطبطاب دلوقت


ابتسم الآخر وهو يقول بنفي


= لا دي حاجه ثانيه هتفرحك افتح وشوف بنفسك وانت هتعرف انا اقصد ايه!!. 


لم يفهم حمزه جيد معنى حديثه ، فسرعان ما أخرج هاتفه للتحقق من صفحات الفيسبوك ، وسرعان ما اندهش بعدم تصديق وهو يرى نتيجة معاكسة في مواقع التواصل الاجتماعي. وليس كان هجوم علي ريحانه مثل المرات السابقه بل على العكس تماماً، بدات تظهر بعض التعليقات والمنشورات تؤيد بأن ريحانه ضحيه و مظلومه وهذا عقاب شديد للغاية عليها، وبعض الهاشتاجات باسم ريحانه تطالب بالبراءه، وبعض الصور لحمدي مخططه عليها علامات الغضب وأنه كأن ذئب بشري يضر المجتمع ويستحق الموت. 


لم يعلم حمزه متي حصل كل ذلك في غصن ساعات بعد الإعلان عن المرافعه بالحكم على ريحانه بالاعدام.


***

فـي مـنـزل بـدر.


تقدم بدر ليقف امام الضابط لكن هذه المره كان يقف دون خوف ولا توتر لأن يعرف جيداً أن الحكم قد صدر علي ريحانه وكلها سوي عده ايام وسوف تغلق القضيه، غمغم بدر متسائلا بصرامة


= خير يا حضره الضابط ممكن اعرف سيادتك جاي هنا البيت ليه؟ مش خلاص القضيه خلصت واتحكم فيها


تنهد الضابط بشده وهو يقول بصوت هادئ


= استاذ بدر انا كان ممكن اجيبك ثاني القسم وبنت حضرتك كمان بس انا مراعي انها طفله في سن صغير وما ينفعش تدخل القسم وتشوف مناظر زي دي.. عشان كده انا جايلك النهارده بصفتي اب مش ضابط


زفر بعنف و هو يفرك شعره بغضب مكتوم قائلاً ببرود.


=برده مش فاهم حضرتك عاوز ايه؟ انا قلت كل اللي اعرفه هناك في القسم وما عنديش حاجه ثاني اقولها 


تجاهل نظراته البارده واردف بصوت جاد


= ممكن تديني فرصه اتكلم مع بنت حضرتك 


اتسعت عينا بدهشة وقلق ثم بعد فتره خرجت دهب إليهم بخطوات مرتعشه وخوف وقد لاحظ الضابط حالتها تلك وهز رأسه بضيق شديد ويأس ليعرف ان قد تم ارهابها حتي لا تتحدث، ثم تنفس الصعداء بقوة و هبط لمستواها هاتفاً بحنان


= ازيك يا دهب مش اسمك كده برده تعرفي ان اسم جميل وجديد عليا، مش عاوزك تخافي مني وعاوزك تقولي الحقيقه .. ريحانه جارتك اكيد عارفاها يوم فرحها في حد حاول يعمل لك حاجه وحشه وهي نقذتك منه


ابتلعت ريقها بصعوبة وتوتر شديد ونظرت الى والدها على الفور الذي كان يقف يتطلع إليهم بصمت لكن عيناه كانت تحمل تحذير حاد، ليفهم الضابط نظراتها الي والدها وهو يهتف بجدية


= دهب ما تبصيش لاحد وبصيلي انا وما تخافيش وقولي اللي حصل؟ وخلي بالك ان كلامك ده احتمال كبير ينقذ حياة ريحانه مش هي برده كانت صديقتك وبتحبيها، ومش المفروض لما تلاقيها محتاجه مساعده ما تتاخريش عليها زي ما هي عملت معاكي


قد انسابت الدموع بصمت على وجنتيها و هى تدرك ان ريحانه صديقتها سوف تتاذى بسببها لكنها غير قادره على التحدث من شدة الخوف و الرعب من أهلها، لتبكي بشده ولم تنطق بحرف واحد بينما اقترب منها بدر ليجذبها بقوة وغضب وهو يدفعها الى تجاه غرفتها هاتفاً بحدة و غضب 


=ادخلي على جوه يـلا 


ضغط الضابط علي يده بعنف شديد منه وهو ينهض هتف به بحدة بينما الدماء تغلى بعروقه بسبب معاملته السيئة الي أبنته


= هو انت مفكر كده بتحلها لو الاسلوب ده كنت بتتعامل بي مع بنتك يوم ما فكرت تسالها وتعرف الحقيقه فين! يبقي كده انت بتغلط اكبر غلطه في حياتك 


هتف به بدر بقسوة و غضب و هو يلوح بيده الى الاعلى 


= حضرتك مش هتعلمني أربي بنتي ازاي؟ وبعدين إللي أيده في الميه مش زي ايده في النار و انت لو مكاني هتعمل نفس اللي انا بعمله واكثر من كده، وانت اكيد ظابط وبتشوف الناس اللي حواليك وهما بيقطعوا في لحم بعض ولما بيصدقوا يلاقوا اي فضيحه عشان يفضلوا يتكلموا عليها.. 


وصرخ بدر به وكامل جسده يهتز بالغضب


=وانت عاوزني اعري بنتي عشان الناس تنهش فيها وسيرتها تبقى على كل لسان.. وبناتي ذات نفسهم لما يكبروا هيفهموا ان انا نقذتهم من كلام الناس اللي مش بيرحم وعملت الصح، وانت ذات نفسك والحكومه مش هتقدروا تمنعوا الناس من الكلام


أردف الضابط بقسوة و غضب و قد اصبحت نظراته عاصفة


= انا قلتلك انا جايلك هنا بصفتي اب زيك مش ضابط ولو انا مكانك فعلا عمري ما هعمل اللي انت بتعمله ده ومن غير تفكير هاخذ بنتي من أيدها وهاروح بيها القسم عشان اجيبلها حقها وافهمها ان ما ينفعش تسكت عشان الغلط مش فيها.. ايه مش مصدقني هو انت مفكر كل الناس تفكيرها زيك كانت الدنيا كلها بتنهش في لحم بعض لو كل واحد فكر زيك في نفسه وبس.. 


ابتسم بدر بسخرية واستهزاء ولم يصدقه، بينما تنفس بعمق محاولاً السيطرة على اعصابه ليكمل من بين اسنانه بغضب وهو يتطلع إليه بنظرات ممتلئة بالاحتقار و الازدراء


= واهديك مثال صغير انا فعلا ما عنديش بنات وربنا رزقني باولاد بس، بس مش معنى كده هاربي اولادي انهم يعملوا اللي هم عاوزينه وما يشيلوش هم بقى انهم اللي هيعملوا في الدنيا هيترد في اختهم وكما تدين تدان، انا مره عرفت ان ابني عاكس بنت معاه في الدرس من باب الهزار وسمعته و هو فرحان ومبسوط ان عمل كده وهو بيتكلم مع واحد صاحبه في التليفون.. ممكن مش هتصدق رد فعلي بس هو ده اللي حصل اخذته من يديه وبيته في الحجز لمده خمس ساعات في حبس انفرادي لوحده وقلت له ده هيكون عقابك كل ما تفكر انك تتطاول على حاجه مش من حقك والمره الجايه مش هيكون خمس ساعات و لوحدك! لا هيكون وسط مجرمين ما عندهمش رحمه وهتسجن سنوات مش مجرد ساعات 

بس! 


استكمل الضابط حديثه بحدة و بصرامة 


= جمدت قلبي رغم الرعب اللي شفته فيه وهو بيصرخ وبيقول لي خلاص يا بابا مش هعمل كده ثاني لانه وقتها كان عنده مجرد 13 سنه بس كنت عارف و متاكد ان انا لو ما عقبتوش في الوقت ده هيكررها ثاني ويطول على بنات الناس اكثر وهو بيتباهى وسط زمايله باللي عملوا، بس انا عقابي جاب نتيجه الحمد لله ودلوقت بس لما بيشوف واحد بيفكر يعمل زيه بينصحه ويدافع عن البنت و كانها اخته بالضبط لانه فهم الدرس وعرف انه غلط غلطه كبيره وما ينفعش يكررها ثاني


تنفس بعمق قبل ان يغمغم بصوت صارم خالى من اى تعبير او انفعال


= ومش بس الاولاد هم اللي عليهم واجب لا احنا كمان علينا واجب نعرفهم ونفهمهم الصح من الغلط.. واللي يخلف ولد ياريت فرحته ما تنسوش اني يربيه


***

رغمَ حظّي السيء وكل شيء..

رغم الصفعات القوية التي نالت منّي ، رغمَ التعب الذي تجَلّي في ساحتي ، رغمَ فُقداني لكل ما أحببت ، لازلتُ أحتفِظ بهدوئي وأرتدي ثوبَ الصبر ، وأراقب الحياة من نافذة روحي متسائلة:"ماذا ينتظرني بعد؟؟"


بداخل السجن بالتحديد داخل مكتب المامور، جلس امامي أبي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء قدر الإمكان


= طمنيني عليكي يا حبيبتي عامله ايه


هززت رأسي بسرعه وأنا أتساءل بلهفه شديد


= انا تمام طمني على ماما عامله ايه هي كويسه؟ 


إبتلع ريقه بصعوبة و هو ينظر إليه بابتسامه صغير علي ثغره


= اه يا حبيبتي بخير ما تقلقيش عليها هي بس مستحملتش الصدمه انها تسمع خبر موتك واحنا واقفين مش بايدينا حاجه نعملهالك بس هي بقت كويسه ما تخافيش عليها


ابتسمت أنا أيضا ابتسامة صغيرة ثم استطرد بنبرة ليست هنا بل شاردة تصف تلك الضجة التي تسيطر عليه بداخلي 


= حاسه انها مش بخير وانت بتقولي كده عشان ما تقلقنيش ،هي بجد كويسه


تنهد اسماعيل بقوه يتمالك نفسه وهو يقول بصوت مخنوق


= لازم كلنا ما نبقاش كويسين اللي احنا بنمر فيه مش سهل علينا اننا نشوف بنتنا الوحيده اللي تعبنا في تربيتها و زعلنا على زعلها واتوجعنا على تعبها ، بس اننا نشوف اللي حصل ليها قدام عينينا واحنا مش قادرين نعمل ليها حاجه، ده اكبر اذيه لينا عشان احنا بنحبك بجد وما لناش غيرك 


نظرت إليه مرة اخرى وهمست متابعة ببلاهه طفلة لا تدري ماذا تُحيك الحروف بفاهها 


= ليه كل الكلام ده هو انا عمري شككت في حبكم لي 


شعر اسماعيل بقلبه يهتز بعنف، يهتز رعبًا من القادم..ثم تهدج صوته اكثر قائلا 


= جايز تكوني بينك وبين نفسك حسيتي كده في اي لحظه، بس لما تحسي كده ارفضي الاحساس ده على طول يا بنتي عشان احنا عمرنا ما هنكون قاصدين اي حاجه من اللي حصلت وعارف ان اي كلام عمره ما هيصلح اللي فات.. بس احنا حقيقي بنحبك وما لناش غيرك، و ربنا وحده اللي عالم احنا حالتنا عامله ازاي من ساعه اللي حصل وعرفناه.. بس لو ربنا اراد وبقيتي ام هتعرفي ان انتي ساعات من كثر حبك في اولادك ممكن تاذيهم وانتي مش واخذه بالك 


اسرع يهز رأسه بنفي وانا ارى الدموع على حافه جفنه بقهر مريرة


= بس ده طبعا غلط لازم نديكم حريتكم ونثق فيكم.. والاهم نهتم بيكم ونواعيكم من الدنيا، سامحيني يا حبيبتي سامحيني يا ريحانه عشان ما كناش قد مسئوليتك يا بنتي


هززت رأسي نافية بابتسامة خالية من المشاعر


= انا مش زعلانه من حد منكم لاني زي ما شفت ايام وحشه شفت برده معاكم ايام حلوه من حب واهتمام ومش هقدر انكر كده.. ممكن بس كان ناقصني شويه تركيز وعي زياده وحاجات ثانيه كنت طمعانه الاقيها فيكم 


وسرعان ما هتف أبي وهو يقول بنبرة حنونه يطمني


= ما تخافيش احنا مش هنسيبك ابدا ولا هنتخلى عنك، هنرفع قضيه و هنطعن في الحكم بس لازم الاول والد هديه يرضي يخلي بنته تعترف بالحقيقه 


ثم تعمق النظر لعيني المتحجرة بالدموع وأكمل بصوته الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم والسخط خلفه 


= غبي بيغلط نفس غلطتي زمان.. مش عارف ان اللي هو مستمر فيه ده هيبكي عليه بدل الدموع دم قدام و دي اكبر اذيه لبنته بيضع حقها، و يخرس صوت الحق ويوريها قدام عينها هو قد ايه جبان و السكوت هو الحل


حركت رأسي ببطء ليخرج صوتي مبحوحًا لينًا كخشبة رقيقة لا تستطع ان تغرق وسط المياه ولا حتى ان تنفذ من موجاتها 


= ما عادتش تفرق يعني ايه اللي هيحصل لما الحقيقه تظهر في حاجه هترجع زي الاول 


همس اسماعيل بتلقائية مغموسة بالألم 


= بس هترجعي لي حضننا ثاني انا وامك، وترفعي راسك وسط الناس، عشان العار والفضيحه الحقيقيين ان احنا نسكتكم، والاهم انك مش هتتعدمي وتبعدي عننا 


سرحت قليلاً في تلك الليلة المأساوية التي حولت حياتي للعبة طاولة يتحكمون بها الذئاب، ثم عضت على شفتي بأسى.. لو سالوني ماذا يفعل الظلم في ذلك العالم لردت صراحة انه تجمع كله ليصبح سوطًا يجلدني بلا رحمة !


= ما فيش حد بيموت مرتين يا بابا، وانا مت من زمان وانا حيه.. أنا مت من بدايه اللي حصلي وانا صغيره واتعرضت لحاجات كثير وحشه كانت اكبر من سني وأني استوعبها وافهمها


اسوأ ما يصيب الانسان ، أن يموت حياً .!


فزمجر في أبي مسرعًا وكأنه يحذرني من مصير أسود قد حدث بالفعل وانتهى


= ليه ما حاولتيش يا ريحانه ان شاء الله غصبا عننا تفهمينا ..كان لازم تحاربي اكثر من كده وتعملي اي حاجه عشان توصلي لينا اللي بيحصل


ابتسمت متهكمة بقوة وصاحت بغضب


= هو انتم ثاني هتجيبوا الحق عليا عشان سكت، انتم ما فيش حاجه بترضيكم أبدا.. اتكلم تسكتوني اسكت تلوموني.. انا ما بقتش عارفه بجد ايه اللي بيرضي المجتمع ده


هز رأسه بضيق بسرعه وكأنه يبحث داخله علي أي مبرر لارجاع الزمن الي الخلف لكن بكل بساطة لم يحدث والماضي لم يعود.


= مش قصدي والله يا بنتي بس كل ما افكر في اللي حصل باتضايق من نفسي قوي اني ما كنتش جنبك كفايه عشان كده كان نفسي تعملي اي حاجه عشان تعرفيني ..كان لازم تخلينا نسمعك بالعافيه كنتي حاولي بدل المره اثنين و100 طالما في الاخر في مره من المرات هنسمعك لما نزهق 


اجبت بقلب متمني متوجع بقدر تمنيه


= يمكن عشان ما لقيتش الامان في بيتي وسطيكو كفايه.. عشان احاول كثير كده


رفع أبي كفي يضغط عليه بحنان بسرعة محاوله التخفيف عني وهو يقول بصوت مؤلم يملاوا الكسره 


= هو احنا كنا وحشين قوي كده ونخوف للدرجه دي؟ بس ليكي حق انا بتكلم في ايه اصلا انتي كان عندك خمس سنين انتي اللي كنتي محتاجه مساعده وان احنا نقرب منك ونفهمك من غير ما تطلبي كمان


رفعت عيناي المليئه بالدموع بغزاره وكاني احدهم يزحني في قبر مظلم بعتمه سوداء!!.. وإن لم يكن قبر بالمعنى الحرفي ولكني حياتي تشبه القبر وبكثرة 


= انا ما قصدتش وحشين بس في حاجات كثير ما كنتش فاهماها ولا مستوعبها.. وبصراحه كمان كنت خايفه من رد فعلكم ..ايوه كان من حقي الخوف ده وما تبصليش كده.. كنت بقول لنفسي لما ده رد فعلهم وهم بيسمعوا مجرد البدايه كده! امال لما اقول الحقيقه كلها رد فعلهم هيكون ايه؟ هل هينصره هو عليا ولا هينصروني انا 


شعرت أني اركض.. و اركض وكأني في سبـاق.. سباق النجاح فيه سيكون نصر العمـر والهزيمـة مرارة لاذعة سترافق ذلك العمر !! لكن رغمًا عني سقطت اكثر من مرة متعثرة ارضًا وكل شيء يُعاكسني حتى اقدامي... ولكن شعر أبي بي وشد على يدي بقوة محذرًا بحدة


=هو انتي متخيله يا بنتي ان ممكن كنت اعرف اللي كان بيعمله فيكي وهاسكت اكيد طبعا لا! ولا انا ولا امك كنا هنرضي بالظلم والمعاناه اللي انتي شفتيها ونسكوت.. ليه تفكري كده؟ 


حاولت التمسك كالطفلة خائفه... لكن مهلاً ولمَ كما ؟! فانا بالفعل مازالت طفلة في بداية عامي الثالثة و العشرين لكن قسوه الزمان كانت مرت علية لتعطيني سن فوق سني الأصلي اضعاف، وخرج صوتي مبحوحًا 


= فكرت كده عشان حضرتك وماما لما كنتم بتشوفوا في الشارع حاجه شبه كده كنتم بتمشوا وتعملوا نفسكم مش شايفين ولا بتقفوا وتساعده حتي، لا وكمان لما كنت بسالك هو ليه الراجل ده بيعمل كده كنت بتجيب الحق على البنت وتقول لي هي اللي غلطانه، مع ان حضرتك ضابط وماما مدرسه يعني المفروض يكون عندكم وعي كفايه.. بس للاسف ربتوني زي ما انتم اتربيته على العادات والتقاليد اللي كلها غلط .. سبتوني لي الدنيا افهم لوحدي بس كنت بفهم بعد ايه فوات الاوان 


احمر وجه أبي من الاحراج بينما لاشعر بأنفاسي المضطربة سقطت في حفرة عميقة... قاسية وموجعة لتلك الروح التي تناجي الرحمة في قلوب مغشية ! ثم رفعت رأسي فجأة اتحدث بقوه من وسط دموعي 


= العيب مش في لبس البنت يا بابا ولا انها تحط مكياج زياده ولا أنها تمشي من غير حجاب! ولا الحل عشان ما حدش يبص لي ويتحرش بيا ألبس واسع.. كلها طبعاً حاجات مذكوره في دينا ولازم نعملها ما فيش اختلاف عليها، بس العيب ما كانش في كل ده أصلا العيب مش في البنت نفسها العيب في الراجل اللي بيعمل كده والناس! 


اكملت و ازدادت بكائي و شعرت وكأني اصحبت في معركة دامية، معركة لن تنتهي الا بانتهاء احد وهي روحي فيها ! لكن روحي ليست كافيه أيضا


= التحرش والاغتصاب زي ما كان بينول البنات اللي مش محجبه واللي بتلبس قصير.. كان برده بيحصل للبنات المحجبات والمنقبات والاطفال وكبار السن حتي.. ومش لازم ابدا عشان حد مد ايده على واحده ولمسها تبقى هي إللي اديت الاشاره عشان يتمادى براحته.. كان نفسي تعلموني أن مفيش شئ يبرر التحرش وأنه عليا أني ادافع عن نفسي وما اهتمش ولا احط في دماغي بردة فعل الناس، عشان انا مش بعمل حاجه غلط انا باخذ حقي


ضغطت على يدي بخوف وبدأ قلبي يرتعد بين ضلوعي و يتردد بأذني كلمات مُخيف كأنها تصلب جسدي وتقول بصوت قاسي :- اريد كل شيء.. كل شيء حلو في حياتك.. قلبك لأدميه وروحك لأقتلها بالحياة.. وجسدك ليحمل علاماتي فتكون علامات مميزة تذكرك بعار ونجاسة عائلتك ! هتفت بنبرة مقهوره بيأس


= عشان الاعتداء الجنسي مش اذاي نفسي بس.. لا نفسي و جسدي؟.. بس عشان احنا عايشين في مجتمع دائما بيلوموا علي البنت ولو اتكلمت يبقي قليله الادب ومش خايفه علي سمعتها لكن الولد له حريه التصرف.. 


حينها أغمضت عيناي باستكانة غريبة... وكأني اسبح وسط احزاني وقلت بنبرة متحشرجة 


= انتم بكلامكم ده خليتوني مبقاش عندى ثقة فى نفسى، انا بقيت ابص لنفسى فى المراية كتير اوي واقول هو انا فيا حاجة غلط؟ يعنى انا مش كويسه ولا محترمه عشان بخلي حد يتحرش بيا ولا يبصلي بصه مش كويس ،ولا اللي كان بيعمله عمي معايا انا السبب في؟ 


لا يدري أبي ما يقول لي التخفيف عني ولكنه شعر انه سيء....سيء جدًا، فتح فمه للتحدث لكن فرت هاربة الكلمات مثل أدراج الرياح، ولكنه حاول فك عقدة لسانه وهو يقول بنبرة يلوح منها التوتر 


= لا طبعاً اللي عمله معاكي عمك بالذات ما لكيش دخل فيه


اصبحت فجاه اضحك بهيسترية وأنا أنظر لابي الذي كاد يبكي تأثرًا بحال أبنته الميؤس منها وقلت له


= شوفت بقى كلامكم كان مؤذى قد ايه، أنتم اذيتوني كتير اوى بسبب الافكار اللي دخلتوها في دماغي دي وان طول الوقت ابقي حاسه العيب فيا انا مش فيهم 


ابتلعت غصة مؤلم كانت كالأشواك تمزق حلقي وأنا ابتلعها متحدثه بمرارة


=انت حميتني ايوه بس ممكن تكون عملت اكبر غلطه انك حميتني من اللي بره و نسيتني نحميني وتحذرني من اللي جوه؟ خلتني اقتنع زيك أن الاذيه عمرها ما هتجيلي منهم، مع ان اهل بيتي هما اكثر ناس اذوني 


كان اسماعيل صامت... يحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنه بتلقائية على تلك المسكينة ابنته ومعاناتها التي لم تنتهي.. زفر بعنف مع كل حرف تتحدثه وهو يتخيل معاناتها والمها، و الدموع متحجرة في عيناه ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيـار..


كل شىء يمر، تلك حقيقة مؤكدة، لكن قبل أن يمر.. يأخذ معه طاقة كبيرة، وبعض من الروح ، والعمر المتبقي فيه، كنت الهث بصوت مسموع و اتحدث بسرعة لدرجة أن جسدي بدأ يرتعش بعنف مُثير للشفقة وانا اتمسك بيد أبي بقوه كحماية.... 


= وكنت محتاجاكم في حياتي اكثر من كده، مش وقت ما اقول انا محتاجه بس! وكان نفسي لما ابقى مختلفه معاكم في امر تتناقشوا معايا وتفهموا انا عاوزه اوصل ليكم ايه من غير ما اقعد المح بكلام عشان ادخل في حوارات ثانيه.. كان نفسي تبطلوا تفهموني غلط! كان نفسي اصلا تفهموني انا عاوزه ايه؟ كان نفسي احس بالامان.. الامان اني مبقاش خايفه طول الوقت وانا بقول اللي جوايا..


عقد اسماعيل ما بين حاجباه هامسا ببحة متأثرة 


= ياااه يا ريحانه هو انتي كبرتي للدرجه دي


عضت شفتي بتهكم وكانت الحسره بعيني واضحه وأنا أردفت بصوت مكتوم 


= مش قلت لحضرتك كنت محتاجه منكم تفهموني الدنيا اكثر من كده اديني فهمتها لوحدي وفهمت حاجات كثير قوي ثانيه


دائماً يوجد في القلب أشياء أكبر من أن تُقال ، ففي قلب كل منا غرفة مغلقة نخاف طرق بابها حتى لانـبـكي .ليس كل هاديء خالي البال و كل صامت لا يبالي ، ففي الهدوء والصمت ألف حكاية وحكاية أكبر و أعمق من أن تصفها كل الكلمات و اللغات ، فلنا حياة داخلنا تختلف تماماً عن الحياة التي يرانا فيها الآخرون. فخلف كل صمت حكاية لا نريد أن نبوح بها والصمت ليس أن تقبض على لسانك ، الصمت أن تقبض على قلبك.


ظليت أبكي كالطفلة تبكي استوطنها العجز كما حياتها كلها وهي تمسك بقدم والدها ترفض رحيله، بينما اسماعيل عيناه جامدة تخفي الانهيار خلفها... يحبس دموعه بصعوبة ويشعـر.... يشعر....آآ أنه لم يستطع التمسك أكثر من ذلك ليكشف الستار عن ضعفه ودموعه التي بدات تتساقط بحزن شديد عليا.. 


لينهض يقترب مني بخطوات ثقيله وأنا مازلت أخفض وجهي و ابكي بحرقه، حينها رفع عيناه بملامحه المتألمة ليفتح يده الإثنين كأنه يخبرني بان ارمي هموم العالم كلها داخله فهو سندي.


لم انتظر ولا لحظه لاترمي بأحضانه فجأة و اشهق ببكاء عنيف.. بكاء كنت اسداد بصعوبة... بجدار واهي من التماسك... ولكن ذاك الجدار لم يعد قادر على استيعاب قدرًا اكثر من البكاء الحاد......! ليربت أبي فوق حجابي برقة وحنان والدموع تغلبه ليبكي بشده اكثر وأنا أيضاً. 


وبعدها بدقائق معدودة في نفس اللحظه دلف العسكري لياخذني الى الحبس مره ثانيه، وخرجت معه بالفعل، ليخرج اسماعيل ليقابل رشوان بوجهه الذي نظر إلي دموعه بدهشة وعطف ثم قال بتوتر محاوله تخفيف خجله منه


= اسماعيل تعالي اغسل وشك في حمام مكتبي.. بلاش تمشي في الشارع كده وانت بتعيط! 


رفع اسماعيل عيناه الدامعة له وهي يسرح في صندوق العادات والتقاليد قائلا :- الصبيان لا تبكي و الدموع لا تعرف مكان في حياتهم، الضعف والبكاء فقط للفتيات..!! 


اقسم اسماعيل داخله لو كان يحمل بيديه فآس لي كان ضرب بالحائط كل هذه العادات والتقاليد التي ذبحت اجيال كثير بسبب هذا التفكير الخاطئ ومنهم أبنته! 


وبالفعل ألتفت بجسده ليخرج من المكتب وسط الجميع و دموعه مازالت مستمرة بالسقوط وبدأ بعض الناس ينظرون إليه بدهشة بينما هو لم يبالي و كانه قد تجرد من تلك العادات والتقاليد التي تحت مسمى العار، فما هو العار في ذلك؟ شعر بالحزن الشديد على أبنته ولم يتمالك نفسه باحساس الذنب وبدأ بالبكاء، فلما يخفي هذه المشاعر ويكتمها داخله وكأنها فضيحه الي صاحبها..


بعد فتره طويله وصل إلى مدفن حمدي! وهنا سمح لكل شيء يثور داخله... يهيج ويضرب جدار روحه بعنف أن ينفجر قائلا


= مش عارف رجلي جابتني هنا ازاي؟ ولا اشمعنى انت بالذات اللي جيتلك دون عن الناس كلها وانا في الحاله دي 


تنفس اسماعيل بصوت مسموع وهو يقول ساخرًا


= بس اكيد مش حبا فيك انت بقيت دلوقتي اكبر عدو لي، واكثر واحد بكرهه في حياتي، شفت الدنيا بعد ما كنت بالنسبه لي ابني مش اخويا دلوقتي بقيت عدو! 


أخفض بصره الي المدفن بينما هو يشعر بجرح داخله ينزف وهو يضغط عليه مغمضًا عيناه لا يصدر آآه حتى... ليقول بنبرة غل


= نفسي تكوني قدامي دلوقت ونفسي تجاوبني على اسئلتي وتقول لي عملت في بنتي كده ليه؟ ليه تكسرني وتحسرني عليها، عملتلك ايه عشان تعمل فيا كده رد علـيـا .. انت مش عارف وصلتنا كلنا لايه سبب عاملتك دي! لا وكمان ما اكتفتش بي بنت اخوك وبنات كثير تانيه ضيعتهم ،و نشوي مرميه في المستشفى بسبب صدمتها في بنتها اللي اتحكم عليها بالاعدام عشان كـلـب زيـك


حينها زمجر به في المقابل وكانت تلك الروح داخله تغيب عن وعيها وهو يصيح بصوت عالي


= ما كانش لازم تموت دلوقت ما كانش لازم تبقى انت إللي تحت التراب وهي في السجن بتشيل ذنوب كنت انت السبب فيها، وبتدفع ثمن اخطاء ما كانتش هي اللي ارتكبتها، المفروض كنت أنا إللي قتلك بيدي مش هي.. انت فعلا تستاهل الموت بس هي ما تستاهلهوش.. ما ينفعش اللي بيحصل ده.. 


اقترب إسماعيل فجاه و وقف أمام القبر ثم بدأ ينبش قبر أخيه وهي يصيح بشكل هيستيري مرددا


= أيوه ما كانش ينفع هي اللي تقتلك كان لازم انا اللي اقتلك.. هي ما لهاش ذنب انا السبب انا اللي دخلتك بيتي وامنتك عليها وانت دمرتها.. لازم انا اللي اقتلك، هي ما لهاش ذنب عشان تتحاسب عشان واحد زيك حيوان وما عندوش ضمير.. اطلعلي لازم تعيش وأنا اقتلك.. فاهم!! انا اللي مفروض اقتلك مش هي. 


ظل يصرخ دون وعي بأعلى صوته بهذا الشكل وهو يحاول يزيح الرمال عن قبر شقيقه حمدي، كان معتقد بهذا الطريقه سوف يجده حي! وبعدها ينتقم منه اشد انتقامه.. لكن هذا لم يحدث بالتاكيد فالميت لا يحي.!! 


الفصل الثالث عشر


#روايه_صمت_الفتيات

‌✍️⁩ #بقلم_خديجة_السيد

______________


جميع المشاكل بداخلي سببها هو أنني تظاهرت بالغباء عندما فهمت، وابتسمت وقت الحزن، والتزمت الصمت وقت الكلام.


لم اعد اشعر بشيء !! كنت اجلس صامتة بعد أن ودعت أبي و بينما المساجين يحدقون به بشفقة حقيقية والحزن يستوطن مكان داخلهم بتلقائية على تلك المسكينة.


حينها رفعت عيناي الحمراء لاعلى وانا أشعر أني داخلي جرح غائر.... غائر اكثر مما توقعت... شعرت أني ارى قناع جديد اتلبسه... قناع من الخوف يخفي كل بواطن الروح.... قناع كنت امتقعه هو دائمًا..... قبل ان اتحدث.. فأدركت في نفس اللحظة.... أنها بالفعل النهايه قادمه !!!! 


لم اتخيل يوماً ان يبتليني الله هذا البلاء لكن عليا الصبر والتصدى لهم والتضرع الى الله فالله خير حافظ ، كانت الايام فى الحبس تمر بطيئه جدا فالساعه اظن انها قد صارت سنوات ولولا الايمان الذي انبعث داخل قلبي بقضاء الله وبقدري، وقوة تحملي لكانت جثتي توارى الثرى من خلال انتحاري الا اني اخشى الله ،اخاف عقابه ومؤمنه بان هذا ابتلاء سيصرفه الله عني مهما طال!! أم أن القدر له رأى اخر؟ 


عند منتصف الليل.


كنت دائماً خارج السرب، لا أحد يعرف ما يدور في ذهني، لا أتعمق مع أحد، كأنما لي قضية أُخرى وأرض أخرى، وحرب لا تعني الجميع..!


فتحت مصحف صغير كنت احتفظ به منذ دخولي هنا وكان اللسان عامرا بذكر الله دوما ومن الادعيه التى ادعوها، ثم بدأت اهمس فى طياتي حتى لا ازعج أحد ويستيقظ وانا اتلاوة ايات الذكر الحكيم ومع اخر حرف اقراه كنت انتفض بجسدي بعنف و اشهق بالبكاء ودموعي تتساقط دون اراده مني.


فى تمام الرابعه صباحاً افقت من دوامة افكاري على صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر رددت خلفه بصوت منخفض وبعدها نهضت للصلاة وعندما جلست علي سجده الصلاة انهارت فورا علي الارض داخلي في نوبة من البكاء الهستيرى بألم و انفجرت باكية بشهقات طويلة مرتفعة.


حسنا أنا صبور، لم أفعل شيئا سوي الانتظار حياتي كلها.. لكن الالام اصبح حتما صعب عليه قوه التحمل.


بدأت أقول بصوت مكتوم باكي والقهر ينبثق منه بضراوة الفاتحة وبعدها إيه صغيره... ثم قلت متحدثه في السجود بهمس موجوع


= لقد اهلكتني الفوضى رتبني يا الله


***

بعد مرور أيام خرجت نشوي من المستشفى بعد اصرار و الحيح كبير منها، وظلت بالمنزل على فراش ابنتها بداخل غرفه ريحانه كعادتها.. حتي في يوم استمعت الى صوت طرقات علي باب المنزل نهضت نشوي ببطئ تستند وتتحمل على نفسها لتفتح الباب لتتفاجئ به زبيده أمامها.. لتتذكر علي الفور ما فعله حمدي بابنتها وترمقها بنظرات حادة مشتعلة وحاولت السيطره على اعصابها هاتفه ببرود تام


= خير نعم 


تفاجات زبيده من اسلوبها الجاف معها لتقول بصوت متوتر وإحراج


= في ايه يا نشوي مش هتدخليني عايزه اطمن عليكم يا بنتي عاملين ايه واخبار ريحانه ايه 


ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة باستهزاء و هي تزمجر بشراسة و عينيها مشتعلتين بنيران الغضب


= بجد عايزه تطمني علينا ولا عايزه تطمني ان حق ابنك مش هيروح علي الفاضي ،لا ما تقلقيش المحكمه خلاص حكمت على ريحانه بالاعدام نامي مرتاحه خلاص دلوقتي حق ابنك اهو جاء لك.. مبسوطه دلوقت اهو ابنك دمرها في الدنيا مرتين مره ساعه اللي عمله فيها وهي صغيره ومره ثانيه وهي كبيره وهتتعدم بسببه وهو ما يستاهلش 


ليتجمد جسد زبيده ويشحب وجهها ثم أخفضت عينها بحزن قائلة بألم حاد


= اللي انتي بتقوليه ده يا نشوى وانا هفرح في حفيدتي هو انتي مش عارفه ريحانه من صغرها وهي بالنسبه لي ايه، ربنا يعلم حبي ليها ما تهزش ولا اتشيل من قلبي حتى بعد ما قتلت ابني وقبل ما اعرف اللي فيها 


ظلت صامتة دقائق تتطلع إليها باعين دامعة ممتلئة باليأس والإحباط هاتفه بصوت مرتجف


= وهو زعلك هيفيد بحاجه ما خلاص اللي حصل حصل والبنت بتروح مننا ومش عارفين نعمل ليها حاجه، ادينا كلنا بنتعلم من اخطائنا.! في الاول كنت مكسوفه اجي اعزيك واقول لك شدي حيلك وسامحيني على وجع قلبك في ابنك.. انما دلوقت ولا طايقه اي حد منكم اشوفه ولا اسمع سيرتكم ابعدوا عننا وسيبونا في حالنا بقى كفايه اللي حصل لبنتي منكم


كانت لازالت محتقنة تتطلع اليها بنظرات مشوشة غائمة مما جعل قلب زبيده ينقبض بقوة شاعره بألم يكاد يحطم روحها الي شظايا عندما وصل الي مسمعها صوت شهقات بكائها الحادة وهي أمامها..بينما همست بصوت منخفض


= افهم من كده انك مش عاوزه تدخليني


ممررت يدها بعنف فوق وجهها تزيل الدموع العالقة بوجنتيها مبتلعه بصعوبة الغصة التي تشكلت بحلقها


وهي تتطلع امامها بنظرات شبة غائمة مما جعل ضيق غريب يستولي علي زبيده فهي بحياتها لم تراها بهذا الضعف او الحقد الذي أصبح يملا قلبها تجاه ابنها حمدي لكنها تعرف انه يستحق هذا الكره هو الحقد من الجميع وليس هي فقط ،لتغمغم نشوي بحدة لاذعة


= مش هقدر ومش عاوزه ، واذا كنتي جايه تطبطبي  عليا وتقول لي كلمتين عشان اهدى مش هيحصل ولا نار هتهدى وابنك عمري في حياتي ما هسامحه وكل ما بفتكره واللي عمل في بنتي ما بعملش حاجه غير أنه ادعي عليه من قلبي أن ربنا ينتقم لي منه ويجيبلي حق بنتي.. غير كده مش عاوزه منكم حاجه مش طايقه حتى ادخلك وبعد ما تمشي ارجع اشم ريحه ابنك ثاني في بيتي.. امشي من فضلك وسيبينا في حالنا سيبيني في همنا اللي مش قادرين عليه 


تراجعت زبيده للخلف بينما القت هي عليها نظرة خاطفة بعينيها المحتقنه قبل ان تتحرك نحو الداخل تاركه باب المنزل مفتوح و زبيده لازالت واقفه بينما تحدق بالفراغ بنظرات مليئة بالبؤس والندم قبل ان تتركها و تغادر بصمت..


***

تفاجات بقدوم العسكري ياخذني من العنبر الى الزياره توقعت ان يكون ابي او امي لكن عندما دلفت وجدت زميلتي فريده بالمدرسه، اتسعت عينا بصدمه وقلت بعدم تصديق


= فريده


وقفت بداخل الصف ثم استدارت الى الطلاب الصغار وهم يجلسون في المقاعد وينظرون اليه بتركيز واهتمام وأنا اهتف بجدية شديدة وأقول بتحذير 


= جسمي ملكي انا وبس.. وممنوع حد يلمسني في اي مكان حساس واذا حصل المفروض نقول لا ..ولو حد حاول ضروري تقولوا لحد من اهلكم وتحاولوا بدل المره 10 و لازم توصلوا المعلومه دي لاهلكم ان في شخص قريب منكم بياذيكم..


كنت دائما في كل نهايه حصه مع التلاميذ اخصص اخر 10 دقائق لهم لي اتحدث معهم في هذه الامور حتى اواعيهم باساليب هادئه و بجدية من التحرش الجنسي! لا اعلم لماذا كنت مهتمه بذلك، لكن كنت سعيده لفعل هذا، ربما كنت افعل شيء تمنيت ان يحدث لي عندما كنت صغيره ولم اجد أحد جانبي ولا يفتح عيني على هذه الامور ويحذرني احد كيف التصرف؟ ابتسمت لهم بحب وقلت 


= يلا لسه فاكرين الاغنيه اللي علمتها ليكم ..سمعوها مع بعض


بداوا الطلاب يهزوا رؤوسهم بالايجابي بحماس وبصوت عالي بنفس تون الكلمات مع بعض بطريقه منتظمه حتى توضح قائلين


= احمي جسمي.. في جسمي منطقه شخصيه لا اسمح لي احد اخر بلمسها حتى اصدقائي وللطبيب ايضا فقط اسمح لي امي .. واذا لمسني شخصا رغم عني ادفعه بعيدا عني


بعد انتهاء الحصه بداخل مكتب الزميلات المعلمين جلست فريده امامي قائله بصوت منخفض حتى لا يسمعها احد


= مش ناويه انتي تجيبيها لبره يا ريحانه وانا جنبك بدي الحصه للاولاد سمعتك وانتي بتتكلمي معاهم ..يا حبيبتي انتي مدرسه فنون جميله تعلمي الاولاد ازاي يرسموا مش اللي بتعمليه ده، صدقيني هتجيبي لنفسك الكلام، لو اي حد من المدرسين ولا المديرة عدت جنب فصلك دلوقت وشفتك بتتكلمي في حاجه زي كده مع الاولاد مش هتسكت ومش بعيد ترفدك لانها هتفهم الموضوع غلط


عقدت حاجبي وانا انظر اليها بدهشه وهتفت بحده


= هو انا بعمل ايه غلط عشان اتعاقب عليه ما انا بعلم الاولاد الرسم ومعاهم اول باول واخر 10 دقائق من الحصه ببدا اتكلم معاهم كل يوم في المواضيع دي ولازم نوعيهم.. احنا بقينا في مجتمع صعب يا فريدة وبعض الاهلي للاسف بينسوا الجزء ده في تربيتهم لاولادهم رغم أن اهم نقطه انهم يواعوا اولادهم من موضوع حد يقرب منهم، مش يستنوا لما تحصل المصيبه و يبداوا ياخذوا حظرهم، لازم احمي الطفل واتجنب في المستقبل اي حاجه زي كده تحصل


تنهدت فريده بقله حيله ويأس هاتفه 


= ربنا الحافظ أن شاء الله .. بس اعتقد الكلام ده المفروض الاهلي بس هي اللي تقوله لاولادها 


ابتسمت داخلي ساخره بألم حاد قبل أن اتحدث بخيبه أمل 


= واذا الاهالي نفسها ما اخذتش بالها ولا فكرت تحذر اولادها وتكلمهم في حاجه زي كده؟ يبقي هيعرفوا منين؟ اعتقد لازم نبدأ نفكر ندخل الحاجات دي في مناهج التعليم عندنا.


نظرت إليه فريده بابتسامه عريضه قبل ان تقترب مني وتحضني بقوه وانا ايضا بدلتها الحضن لا اسمعها وهي تقول باشتياق


= ازيك يا ريحانه عامله ايه وحشتيني قوي كان نفسي اعرف اوصل لك واشوفك من ساعه ما عرفت اللي حصل.. ما تتصوريش كلنا عاملين ازاي في المدرسه من ساعه لما عرفنا اللي حصل وكان نفسنا نيجي كلنا و نزورك والله لولا انه كان صعب يسمحونا بالزياره كلنا كنتي هتلاقي المدرسه كلها عندك هنا


ابتعدت عنها وعيني قد التمعت بالدموع وهتفت بارتجاف


= انتي كمان وحشتيني عامله ايه واخبار المدرسه والاولاد ايه؟  


هزت راسها مبتسمه وهي تقول بصوت حزين


= كلهم كويسين وبيسلموا عليكي وبيقولوا لك ربنا معاكي وانهم مش ناسيينك وبيدعوا ليكي علي طول


هززت برأسي بصمت وانا امسح دموعي بينما أردفت هي بصوت مبهج


= انا شفت الفيديو بتاع المحكمه منتشر على التواصل الاجتماعي بطريقه رهيبه وكثير مننا شفناه ومحققه نسبه مشاهدات عاليه.. انتي لخصتي بكلامك ده كل اللي بتعاني منه البنات في مجتمعنا شكرا يا ريحانه على الكلام ده وربنا معاكي في اللي جي... استمري يا حبيبتي ما تقفيش خلينا يبقى لينا صوت بقى والموضوع ده يبقيله حل وانتي اول واحده هتكوني بداتي وكسرتي قاعده الصمت البنات


عقدت حاجبي بدهشة وعدم تصديق


= انا كنت عارفه انهم بيصوروني بس ما كنتش عارفه انهم بيصوروني فيديو ونزله كمان الفيديو على التواصل الاجتماعي.. هو للدرجه دي قصتي انتشرت بسرعه؟ 


ابتسمت فريده ابتسامه صغيره وهي تقول بتاثر 


= هو الفيديو وبس يا ريحانه الدنيا مقلوبه عليكي بره، ناس كثير بتنشر قصتك ومهتمه انها تعرف ايه اللي حصل و مهتمين كمان انهم يوصلوا لكل البنات والاهالي رساله من قصتك عشان ما حدش يسكت ويقع في نفس اللي أنتي وقعتي فيه.. قصتك بقت ترند على التواصل الاجتماعي في بلاد كتير يا ريحانه ومفعلين هاشتاج باسمك كمان وبيطالبوا بي براءتك 


صمت لحظه وتذكرت ان كل هذا بالتاكيد بسبب الصحفي حمزه عندما كان ينقل اخباري للخارج ليدعي الجميع الانتباه الى قصتي والاخذ منها الجانب الجيد، وهذا ما قد حدث بالفعل واصبحت حديث الجميع لتنتشر قصتي بينهما والبعض يخاف من السكوت.. ربما تحدث معجزه ويكون اختيار الصمت عند التحرش اخر مرحله قد تلجا اليها أي فتاه وتلجا اخيرا لاخذ حقها بالقانون.. نظرت إلي فريده وعلي فمي ابتسامه سعيده داخلي انني قد حققت جزء من احلامي اخيرا حتى اذا بعدها سوف ينفذ حكم الاعدام عليه لم يعد يهمني


= ما تعرفيش فرحتيني بكلامك ده قد ايه عشان انا يوم ما فكرت أنشر قصتي كنت عشان كده و كويس الناس كلها بقت تاخذ حذارها وتخاف يحصل ليها نفس اللي حصل لي.. يا ريت المجتمع والاهالي يعرفوا اننا بسبب السكوت ده بنعاني قد ايه 


❈-❈-❈


بداخل كافتيريا أسفل منزل إسماعيل كانت تجلس مني شقيقته في انتظاره بعد ان اتصلت به لتخبره انها تنتظره بالاسفل حتى لا تزعج زوجته و تصعد اليه، وبعد فتره وصل اسماعيل وتقدم يجلس بجانبها على المقعد، ابتسمت مني له ابتسامه صغيره مردده


= ازيك يا اسماعيل عامل ايه انا اسفه ان انا نزلتك من بيتك في وقت زي ده، بس كان نفسي اطمن عليكم ومش عاوزه اروحلك البيت عشان مراتك ما تزعلش وما ترضاش تدخلني زي ما عملت مع ماما 


صمت بضيق وهو يتذكر ما فعلته زوجته في والدته وهي من اخبرته بنفسها انها لم تعد تريد اي احد من عائلته بداخل منزلها فهي لم تعد تثق في احد منهم بعد الآن وهو لم يقدر على الاجابه حينها فماذا سيقول وهو يعرف انها معها كل الحق لم تثق في احد بعد الآن.. إبتلع الغصة التي تشكلت بحلقه حتي لا ينهار جدار القوة الذى يظهره أمامها قائلا


= لا يا منى ولا يهمك و ما تزعليش من نشوي هي والله الايام دي تصرفاتها بقت غريبه وتعبانه على طول من تأثير الصدمه واللي بيحصل لينا، وانا كمان مقصر معاكم بس حقيقي مش قادر الفتره دي اقابل اي حد


امسك بيده التي فوق الطاولة مقرباً اياها منها وهي تغمغم برفق محاولاً تهدئته


= حقك يا حبيبي وحقها انا مش زعلانه منها ولا حتى ماما احنا مقدرين اللي هي فيه والله يكون في عونكم انتم الاثنين ويقويكم على اللي جاي..و ربنا يسترها على ريحانه وان شاء الله تخرج من المحنه دي على خير 


أردف اسماعيل بصوت مهتز مختنق و شفتيه ترتجف في قهر بينما الالم الذى يشعر به بداخله يكاد يحطم روحه الي شظايا


= يا رب يا منى يا رب املنا كلنا في ربنا دلوقت 


كادت مني أن تبكي وتنهار وهي تري ضعف ووجع شقيقها بهذا الشكل لاول مره في حياتها تراه هكذا لكن تعرف ايضا ان الالام فاقت قوه الاحتمال، بينما حاولت التماسك وقبضت على ذراعه قبل ان تقول بصوت لاهث يملئه التوتر والخوف


= هو انت زعلان مني ومن ماما يا حبيبي عشان اللي عمله حمدي 


نفض يده بعيداً عنها هاتفاً بقسوة تعاكس الانكسار الذى يتصدع بداخله


= منى الله يكرمك ما تجيبيش سيرته قدامي انا اللي فيا مكفيني انتي مش عارفه انا بس كل ما افتكر صورته في دماغي ايه اللي بيحصل لي انا بقيت باتمنى كل يوم ان يكون عايش وانا اللي اقتله بيدي وادخل السجن بدل بنتي.. وانتي ما لكيش ذنبي في اي حاجه


ليكمل صاح بصوت مرتجف ملئ بالألم


= خلاص ما بقاش لي اخ من ساعه ما عرفت اللي عمله في بنتي، انتي الوحيده اللي اختي وبس يا مني وانا ما بقاش لي اخوات غيرك 


❈-❈-❈

في منزل إسماعيل جلس حمزه أمامهم بالغرفه الضيوف، أبتسم حمزه قبل أن يغمغم بصوت مرتجف


= انا اسف لو جيت من غير ميعاد بس كنت عايز اطمئن على مدام نشوي انا رحت ليها المستشفى بس عرفت انها خرجت وما لحقتش اطمن عليها 


رفعت نشوي وجهها اليه مرغمة شفتيها علي الانفراج و رسم ابتسامة بهدوء مغمغمة بامتنان


= متشكره يا ابني كثر خيرك اسماعيل حكيلي اللي انت عملته معايا لما اغمى عليا هناك في المحكمه كثر خيرك يا ابني 


هز رأسه حمزه بسرعه قائلا بابتسامة صغيره


=ما تقوليش كده انا ما عملتش غير الواجب، المهم اخبار صحتك ايه وليه خرجتي من المستشفى بدري اعتقد ان حالتك كانت عاوزه اهتمام اكثر من كده شويه 


رفع اسماعيل رأسه ينظر إلي زوجته بعتاب هاتفاً بحنق و غضب


= قول ليها يا ابني غلبت معاها انها تفضل في المستشفى ما رضيتش وكل اللي نزل عليها عاوزه تشوف ريحانه بس مش عارفين نشوفها حاليا والمحامي بيحاول يدبر لنا زياره 


اجابت نشوي بصوت مختنق نافذ الصبر  


= ما بحبش قاعده المستشفيات يا اسماعيل وقلبي مش هيبقى مطمئن على بنتي وانا قاعده هناك في المستشفى وخايفه حكم المحكمه يصدر وانا مش دريانه بيها، كفايه حتي المحامي ما طمناش وقال احتمال كبير النقد ما يتقبلش طالما ما فيش دليل واحد على انها قتلت دفاع عن النفس  


اعتدل حمزه في جلسته متنحنحاً بحرج يهمس بتردد


= معلش لو بدخل بس انا حسب اللي عرفته ان أهل الطفله اللي ريحانه نفذتها، كانت جارتكم، ليه ما تحاوليش تتكلموا مع اهلها انهم يعترفوا بالحقيقه اللي حصلت ممكن المحاوله دي تنفع 


اجابه اسماعيل بصوت متردداً بينما يبتلع لعابه بارتباك واضح


= فكرنا فعلا في كده يا ابني، بس احنا ما كناش لينا تعامل معاهم قوي ومش عارفين رد فعلهم هيكون ايه 


وقف بهدوء يعدل من ملابسه استعدادً لذهابه مغمغماً بنبرة صارمة


= مش هنخسر حاجه محاوله واحده ونشوف نيتهم ايه وانا مستعد اجي مع حضرتك يعني لو تحب وما عندكش مانع


***

دلف بدر الي غرفة الاستقبال حيث كان اسماعيل و حمزه يجلسون بانتظاره تنهد بضيق قبل أن يجلس أمامهم قائلا بهدوء مفتعل


= انا عارف انت جاي ليه يا اسماعيل بس سامحني مش هقدر على اللي انت هتطلبه منه 


عقد اسماعيل حاجبيه مغمغماّ بحيرة


= يعني انت عارف يا بدر ان ريحانه ما كذبتش و فعلا نقذت بنتك من حمدي اللي كان عاوز يعتدي عليها 


رمقه بدر بنظرة متصلبة قبل ان يشير برأسه إليه قائلاً بضجر


= ايوه عارف ان البيه أخوك المحترم كان هيستغل طفله صغيره لولا ساتر ربنا


تنحنح اسماعيل بصوت منخفض قبل ان يغمغم بصوت اجش خشن من اثر الاحراج


= بس اكيد طبعا عارف ايه اللي حصل لريحانه منه وانها لما عرفت بس أنه عاوز يعمل في بنتك كده ما استنتش لحظه واحده ولا اترددت انها تنقذها حتى لو موتته وضيعت مستقبلها، وهو ده اللي حصل دلوقتي بالفعل، وريحانه دلوقتي في السجن بسبب انها لحقت بنتك منه.. وبعدين لما أنت يا بدر عندك خبر بكل ده ليه نفيت اللي حصل وما رضيتش تجيب بنتك المحكمه تعترف


صمت بدر ثواني قبل ان يقول بصوت مخنوق


= مش هقدر اقول حاجه زي كده انا لو عملت حاجه زي كده في بنتي مش هقدر احط وشي في وش الناس بعد كده ولا بناتي هم كمان .. وهيفضل الموضوع ده زي وصمه العار في العيله عندنا 


اطبق حمزه اصابعه داخل يده مغلقاً اياها بقسوة مزمجراً بغضب قائلاً


= انت ايه اللي حضرتك بتقوله ده! طريقه تفكيره كلها غلط طبعا، المفروض تاخذ حق بنتك .. والاهم من كل ده ان ممكن شهاده بنتك تغير راي القاضي وتنقذ حياه واحده ما لهاش ذنب وهتموت بسبب انها نقذت بنتك وشرفها، ونقذتها فعلا من العار والفضيحه إللي انت خايف منهم علي بناتك.


رفع بدر حاجبه قائلاً بنبرة يتخللها التحدي وهو متاكد بنسبه كبيره داخل ما يفعله هو الصحيح لأجل حمايه عائلته. 


= لو عندك بنات يا استاذ هتفهم وهتعرف انا بعمل كده لمصلحتهم، انت متخيل الموضوع سهل كده، اني اروح المحكمه بالبنت وتقول كل حاجه حصلت.. وبعد كده اقابل انا بقى نظرات الناس والكلام اللي هيطلعوه على بناتي


مسح اسماعيل وجهه بضعف وتعب مما جعل بدر يتوتر وهو يقول شاعراً بالارتباك


= انا مقدر حالتك يا اسماعيل وحاسس بيك و عارف وجعك على بنتك يعني ايه، و ممكن اساعدك باي طريقه ثانيه غير دي ..بس مش هقدر الوث شرف بنتي بيدي 


نظر إليه حمزه بعدم تصديق و عينيه التي تنطلق منه شرارت الغضب بعينيه الفازعة قائلا بحسره


= عارف لو كل واحد عمل زيك كده يبقى عليه العوض في حق البنات دي؟ انا مش قادر اصدقك بجد ،هو انت قادر ازاي تقف قدام بناتك وتطلب منهم بكل بساطه انهم ما تكلموش ولا يمنعوا حد يلمسهم و يقرب منهم و يتحرش بيهم ولا يغتصبهم


ارتسم بدر تعبيرات وحشية علي وجهه مزمجراً من بين اسنانه المطبقة بقسوة بينما تتقافز شرارت الغضب من عينيه


= ما تحاسب على كلامك يا استاذ يا محترم ،هو انا قلت كده اكيد طبعا عمري ما هقول لبناتي حاجه زي كده


ضيق حمزه حدقتيه عليه مكتفاً ذراعيه فوق صدره بينما ينظر إليه يجيب بنبرة يملئها الازدراء بينما يسدد اليه نظرات شرسة قاتلة بفحيح حاد


= لا انت قلت خلاص وهم شايفين بعنيهم دلوقتي أن ابوهم المحترم سندهم وحمايتهم بيخفي حق اختهم عشان خايف من كلام الناس، عارف لو واحده من بناتك دول اتعرضت لنفس اللي اتعرضته بنتك هديه هيعملوا ايه؟ 


اندلعت نيران الغضب بداخل بدر فور سماعه كلماته الوقاحة تلك، بينما و قد طفح كيل حمزة من معاملته لهم بتلك الطريقة و رفضه المستمر بقول الحق.. اندفع نحوه حتي وقف امامه مباشرة هاتفاً بشراسة وعينيه تعصف بغضب عارم


= مش هيتكلموا طبعا ومش هيجي يقولوا ليك حاجه و مش هيبقى عندهم الجراه اصلا انهم يدافعوا عن نفسهم ويبعدوا الشخص ده عنهم من خوفهم منك ومن الناس.. والشخص ده هيفضل مستمر في اللي بيعمله وهو مطمئن ان البنت دي لما هتتكلم هتلاقي الف صوت يسكتها واولهم ابوها ...! 


ظل بدر صامت يتطلع اليه باعين متسعة بينما دقات قلبه تعصف داخل صدره من شدة الخوف و الارتباك بسبب ما قاله علي بناته.. ابتلع ريقه بصعوبة و هو يري زوجته و بناته يقفون على عتبه الغرفه ويستمعون الحديث، ليكمل حمزه و هو يرمقه بنظرات سامة مملتئة بالسخط والتحدي


= ده اذا اصلا ده ما بيحصلش مع واحده من بناتك تاني، وانت مش عارف لانهم هيخافوا يقولوا ليك، وهم شايفينك خايف تاخذ حق اختهم الصغيره.. ابقي ساعتها افرح أنت بقى وخاف وداري عليهم من الفضيحه والعار اللي انت عاملهم حساب! بدل ما تعمل حساب لحق بناتك في المجتمع


انتفض بدر واقفآ وهو يهتف بشراسة وقسوة


= اطلع بره.. اطلع بره مش عاوز اشوفكم انتم الاثنين هنا تاني اتفضلوا بره بيتي.. انا اللي استاهل ان انا استضافتك وعاملتكم باحترام


كاد أن يتحدث حمزه مره ثانيه لكن اوقفه اسماعيل باشاره من يده وبعدها رحلوا بصمت.. بينما توقف بدر صامت فجاه لحظات عندما وقعت عينيه علي بناته الأربعة و زوجته الواقفين علي عتبه الغرفه ينظرون إليه بوجه قاتم دون تعبير بينما كانت هديه تبكي بشهقات منخفضة و قد اصبح وجهها محمر من شدة البكاء وكانت امها تاخذها باحضانها و تربت علي كتفها بحنان وقله حيله.. تقدم بدر حتي وقف امامهم مباشرة وهو يزفر بحنق و غضب


= في ايه انتم كمان، بتبصلي كده ليه انا بعمل لمصلحتكم انتم مش فاهمين حاجه ولا عارفين الدنيا بره ماشيه ازاي؟ ولا اللي هيحصل لما اختكم تروح تعترف وتقول اللي حصل ما حدش هيصدق ان ما حصلش حاجه وانها لسه بنت بنوت 


سقطت هديه دموعها وهي تقف بصعوبة علي قدميها التي كانت اشبه بالهلاك.. بينما اكمل والدها حديثه محاولة السيطرة علي اعصابه المشتعلة قائلا 


= وبعدين انتم فضلتوا ساكتين ليه؟ لما قال ممكن يكون حد بيعمل ليكم حاجه وانتم مش عاوزين تقولوا عشان خايفين مني!! ولا واحده منكم وقفت وقالت في وشه أنه ما بيحصلش حاجه زي كده وانه كذاب ليه؟؟ ما نطقتوش ليه وقلتوا انه ما بيحصلش؟؟ 


شعر بشعور من الصدمه والقلق يتغلغل بداخله فور قابل صمت بناته يخفضون رأسهم بالأرض بحالتهم تلك شاعرين بالتوتر والارتباك بينما لم يتجرأ أحد منهم ويتحدث بالنفي؟؟ معنى ذلك ربما هذا قد حدث بالفعل.. لم يتحمل بدر فكره ان يتطاول احد على بناته وهم يستقبلوا ذلك بالصمت وقله حيله.. ليشعر بغضب شديد داخله تجاه أي شخص قد لمس بناته رغم عنها، ليعلم ان حمزه ما كأن يعنيه بكلماته تلك واقع مريرا.. لكن هز رأسه بسرعه و اطاح بيده هاتفاً بشكل هستيري


= خذي بناتك يا رحاب وغوري من وشي مش عايزه اشوف حد منكم.. يلا أنتم كمان


❈-❈-❈

في منزل إسماعيل كانت نشوي تسير بخطوات مرتعشه وهي تنتظر بفارق الصبر ان ياتي اسماعيل اليها ويخبرها ان بدر وافق على طلبهم سوف ياتي بذهب أبنته الى المحكمه حتى تشهد بالحقيقه وتبرا ابنتها ،ثم استدارت خلفها بسرعه ولهفه عندما استمعت الى الباب يفتح ودلف زوجها واغلق الباب خلفه و عينيه تلتمع بخيبة الأمل العاصفه الذى جعلت جسدها ينتفض بخوف وقلق


ظلت نشوي تنتظر ان يتحدث زوجها ويخبرها ماذا حدث لكنه صمت ولم يجيب، لتبدا تفهم بمفردها ما حدث! ليتحول شحوب وجهها الى لون رمادى كما لو كانت قد فقدت الحياة غرزت اسنانها بشفتيها بقوة حتى ادمتها و ذاقت طعم الدماء بفمها لكنها لم تبالى... 

فقد كان عقلها قد اغلق من شدة الصدمة الخذلان المستمرة.


همست بصوت مختنق باكي 


=ايه اللي حصل يا اسماعيل بدر قال لكم ايه؟ 


زفر اسماعيل بيأس و هو يفرك وجهه بغضب على ما يحدث معه لا يعلم كيف يحل الامر فكل مادا يتأزم الامر اكثر ..ظل ينظر اليها عدة لحظات بتردد قبل ان يقرر ان يتركها ويدلف إلي غرفته فلا يريد الضغط عليها فيكفى ما مرت به ومرضها... فقد كان يعلم ان ما سوف يخبرها به من صعب عليها تحمله ايضا


همست بصوت منخفض شبه ميت


=طيب اتكلم معايا فاهمني مالك..


و دون ان ينطق بحرف واحد تركها موليه ظهره لها متجه الى غرفته، شعرت بالصدمة و هي تشاهد ما يفعله لتخفض راسها بإحباط ويأس وتسارعت انفاسها و احتدت بشدة شاعره كأن ستار اسود من الالم يكاد يبتلعها...


بينما في الداخل، ليتجه اسماعيل الى فراشه يجلس به بعقل شارد و قلب مثقل محاولاً ايجاد طريقة لنجاء ابنته من حبل المشنقه.!! 


***

الصمت علامة تعب، علامة خيبة، فأنا لمْ أصمت قط راضيًا، كلما طال سكوتي فاعلم بأن الألم فيّ ممتد أكثر من اللحظات التي أجيد البوح فيها.. نظرت إلي فريده التي جاءت مره ثانيه في موعد الزيارة، هززت رأسي هامسة بضعف


= الدنيا بقت مليانة وجع قلب بشكل مرعب .. كل الناس فيها اللي مكفيها وزيادة .. ارواحنا بقت هشة وقلوبنا بقت تتكسر من اقل كلمة .. ودموعنا بقت تجري من اقل موقف .. او حتي نظرة قاسية احنا بقينا ضعاف اوي من كتر ما اتوجعنا وشيلنا هموم عجزتنا قبل اوانا 


ربتت فريده علي كتفي برفق وهي تقول محاولا التخفيف عني


= ما خلاص يا ريحانه هتفضلي شايله الهم كده كثير ان شاء الله ربنا هينصرك وهتطلعي من هنا وبكره تقولي فريده قالت


اتسعت شفتي بابتسامة ساخرة و أنا انظر الى عينيها هاتفه بيأس وإحباط


= ما بقتش فارقه كتير يا ريت حتى يعدموني واخلص هو انا حتى لو طلعت هعرف اعيش حياتي من ثاني عادي كده وانسى اللي حصل صعب، كفايه حتي بعد ما الناس كلها عرفت قصتي


شحب وجه فريده فور سماعها كلماتي تلك وفتحت فمها بصعوبه هامسه


= وانتي من امتى بقي بيهمك حاجه ولا كلام الناس مش ده كلامك واللي قلتي في المحكمه، يا ريحانه انتي حكيتي معاناه كل ست بتحصل ولسه مستمر الموضوع معاها وكتمه جواها على الأقل انتي جاءتلك الفرصه انك تتكلمي وتقولي، مش ذي غيرك لسه مستمرين في السكوت وعمالين نتوجع


نظرت نحوها بدهشة و أنا اشعر بالحزن و الأسف عليها قائله بتردد


= هو انتي يا فريده اتعرضتي انتي كمان لحاجه ذي كده؟ 


هزت فريده رأسها هامسة بصوت مرتعش وقد امتلئت عينيها بالدموع التى لم تستطع حجبها


= ما انا قلتلك ما فيش ست ما تعرضتش لحاجه زي كده وفي اللي سكتت زينا وفي اللي عرفت تاخذ حقها ويا بخت اللي عرفت تاخذ حقها في الزمن ده ولقيت اللي ينصرها


هززت رأسي بقوة هامسة بصوت مختنق


= معاكي حق مفيش ست معدتش بتجربة صعبه ذي دي، لأن احنا للاسف في مجتمع صعب وبالذات في المواضيع دي بيعمل نفسه مش شايف ولا سامع، اما بالنسبه للبنات اللي بتتعرض لكده، في ناس بتعرف تعدي والحياة بتستمر، وفي ناس مبتقدرش لأن خلاص الأمور عدت المسموح.. ويا تري اتعرضتي للتحرش من مين؟ حد من اهلك زيي؟ 


اومأت فريدة برأسها برفض هامسة بضعف بصوت مختنق و هي علي وشك البكاء


= لا انا مشكلتي حاجه ثانيه خالص غيرك يا ريحانه.. اولا انا ماتعرضتش لي التحرش.. انا اغتصبت و من جوزي؟!. 


شحب وجهي مغمغمه بارتباك فور سماعي كلماتها الغير مفهوم بالنسبة لي لاقول بشك


= جوزك ازاي مش فاهمه؟ قصدك انه بعد الجواز بيغصبك أنه يعمل معاكي علاقه غصب عنك


اجابت بتردد بصوت مختنق من بين شهقات بكائها التي بدأت بالانتحاب بمرارة


= لا هو اغتصبني من قبل ما يتجوزني ولما اشتكيت وقلت لي اهل الحاره اللي انا ساكنه فيها واهلي مالقوش حل غير انهم يجوزوني لي ويستره عليا ما انا بقيت مفضوحه بقى لازم يلموا لحمهم.. يقوم شيخ ساكن معنا في العماره اللي مفروض اسمه شيخ و بيعرف ربنا يقترح أسوأ اقتراح على اهلي وهم يوافقوا بدون تفكير كانهم خلاص اخيرا لقوا حل عشان يديرو فضيحه بنتهم ..واديني دلوقت أنا اللي بادفع الثمن   


تجمد جسدي و قد دب الرعب والصدمة بداخلي فور سماعي كلماتها تلك وهي قد زاد انتحابها بشدة بينما كامل جسدي ينتفض بعدم استيعاب مرمقاً اياها بغضب شديد


= دي جريمه بس ازاي توافقي على حاجه زي كده يا فريده كنتي رحتي للبوليس و بلغتي عنه.. هم بيعملونا كده ليه؟ كاننا سلعه أو ليهم حق مكتسب فينا هما ازاي بيجي ليهم قلب يعملوا فينا كده.. هم ايه ولا بنت اتحرش بيها ولا مغتصبه كمان عارفه تاخد حقها في البلد دي !! هما مش عارفين انهم كده بيقوهم انهم يستمروا في الغلط اكثر.. كان لازم تبلغي الفلوس ويجيبلك حقك منه كان لازم اللي زي ده يتسجن


ابتسمت ساخره وهي تصدر تنهدات باكية هاتفة بصوت متحشرج 


= انتي طيبه وعلى نياتك يا ريحانه، عشان انا لما فكرت زيك اعمل كده اول حاجه منعوني اهلي عشان خايفين من الفضيحه.. وثاني حاجه اللي وجعتني بجد بقى ان سمعت من حد أن البوليس هم ذات نفسهم اللي بيقترحوا الاقتراحات دي كانها حل بالنسبه لينا وانهم يزوجوا البنت اللي اغتصبت للاغتصبها عادي كده.. حتي القاضي ساعات ذات نفسه بيحكم على البنات المغتصبه كده.. المشكله فعلا في المجتمع يا ريحانه 

  

صمت وأنا لا ادرى ما يجب عليا فعله فكنت اعتقد لا يوجد أحد شاهد عذاب وظلم أكثر مني، و لكن ما سمعته قد فاق التوقعات.. لتكمل هامسة بصوت بارد يعاكس النيران و الألام التي تمزق قلبها


= حد منهم بيفكر في راي ولا يقول الغلبانه دي لما هتسكن في بيت واحد مع واحد زي كده ما يعرفش ربنا ولا عنده ضمير هيعمل معاها ايه ،وهتبقى هي حاسه بايه لما تلاقي الراجل اللي نهش لحمها في بيت واحد هم الاثنين لوحدهم لا و كمان بقيله حق فيها وهي ملزمه تطوعه لما يطلب كده ما هي مراته خلاص .. هو ده اللي يرضي ربنا  


اهتز جسدي بعنف و انسحبت انفاسي من داخل صدري وأنا أجلس أمامها عاجزة علي الرد فـ الظلم في تلك الحياة قد تخطي عقبات كتيره في حياتنا اليومية دون رحمة أو عطف من بشر، لا أعلم إلي متي سوف يعاقب المجتمع الجاني وليست الضحيه..!! لاهمس بصوت مرتجف مختنق بينما اقاوم حتى لا انهار امامها..


= تعرفي لما نسمع حد بيحكيلك من بعيد موقف اتعرض لي بتقولي انا مستحيل اوصل لكده او اقبل بكده لو انا حصلي كذا مش هستحمل، بس وانتي في الموقف نفسه .. لأ بتعدي مره واتنين وتلاته واربعه ... ليه بتستحملي الوجع ده؟ كل ده عشان خايفين من الناس والفضيحه والعار! الفضيحه والعار ليهم هم مش لينا


سمعت بعدها العسكري يصيح بصوت أجش على انتهاء الزياره، و نهضت بتثاقل على قدمي و استدارت اسير للخارج بجسد مرتجف و أنا لا ارى امامي بسبب عيناي الغائمة بالدموع الحارقة بينما الالم الذى بداخلي يكاد يمزق قلبي الى اشلاء... لاهمس بصوت موجوع


= استرها معنا يا رب ..قوينا يا رب على اللي جاي 


❈-❈-❈


في الصبح وصلت نشوي الي قسم الشرطه وخطت خطواتها البطيئه تسير بصعوبة بجسدها حتي تقدمت بالداخل تبحث بعيناها عن شيء ما، بينما كان يمر رشوان من جانبها ليلمحها من بعيداً و ذهب إليها باستغراب قائلا


= استاذه نشوى خير حضرتك اللي جابك هنا وفين اسماعيل ازاي يسيبك تاجي لوحدك وانتي تعبانه و لسه خارجه من المستشفى 


اومأت رأسها بصمت مغمغمة بتعب 


= من فضلك يا استاذ رشوان ممكن توديني لاي ضابط هنا أو لسياده اللواء حتي، عاوزه اعمل بلاغ 

مهم


عقد رشوان حاجبيه بتعجب متسائلا باستفهام بصوت متوتر 


= خير يا استاذه نشوى عايزه تعملي بلاغ في مين هو في حاجه حصلت انا ما اعرفش 


ضغطت على شفتها من لهيب الألم الذى يلتمع بعينيها مما جعلها تقترب إليه و هي تهمس بصوت مرتجف منخفض 


= اللي بيحصل كثير ولازم يتحط له حد ،من فضلك ريحني وقولي فين ممكن اعمل محضر 


راقبها رشوان باعين مضطربة و هو يومأ برأسه بهدوء قائلا مقترح


= طب تعالي معايا انا جوه وارتاحي عشان افهم في ايه وانا هفتحلك المحضر بنفسي لو عاوزه


هزت راسها بهدوء مريب و أشار بيده نحو مكتبه وهي صارت خلفه، دلف رشوان الغرفه ليجلس فوق المقعد الخلفي أمام مكتبه قائلا باهتمام


=اتفضلي يا استاذه نشوى اهدي وارتاحي.. عايزه تعملي بلاغ في مين؟ وهو عمل لك ايه عشان عاوزه تبلغي عنه؟ 


صمتت لحظه تشعر بالاستنفاذ و التعب وبالرغم من ثقل كلماتها التي جعلتها كالبحر يبتلع في جوفها لكنها قالتها وهمست متوتره 


= اسم المتهم نشوي علاء متهمه باهمال بنتها الوحيده وانها ما كانتش حاسه بيها ولا بوجعها وبسبب الاهمال ده وصلتها للمرحله أنها تقتل شخص.. عارفه انها جريمه ملهاش حل غير العقوبه ..بس انتم لو رجعتوا نفسكم هتلاقوا المفروض أنا اللي اتحبس مكان بنتي

وهي مظلومه 


اتسعت عينا بصدمه ونظر نحوها بدهشة.. ثم تنفس بعمق و هو يجيبها بعدم فهم


= إيه اللي انتي بتقوليه ده يا مدام نشوي؟ هو حضرتك كويسه 


شحب وجهها وابتلعت ريقها بتوتر... شعرت في تلك اللحظة أنها تقدم أخر خيط بيدها لحماية طفلتها من الموت! ولكن شعور العجز يمتلكها أنه ربما يهدم حاجز من الحواجز التي تنبت مؤخرًا بينهمـا... وما بين إنعكاسات المشاعر تلك نطقت بصوت هادئ ولكنه مشحون بمشاعر شتى 


= ايوه انا كويسه ومش مجنونه عاوز تتاكد اتفضل ابعت حد يكشف عليا بس افتح يلا المحضر انت قدامك قضيه مينفعش تتفوت غير لما تعاقب المذنب الحقيقه، عشان في حد موجود دلوقتي جوه الحبس مالوش ذنب ومش المفروض هو اللي يتعاقب.. والمفروض انا اللي ابقى مكانه... يلا كمل المحضر


انحبست انفاسه داخل صدره فور ان فهم مقصدها ليحدق فى وجهها بدهشة ويأس لا يعرف ماذا يفعل لها ثم حمحم قائلا بقلق


= انا من رايي اتصل بي استاذ اسماعيل هو اكيد ما يعرفش انتي فين وقلقان عليكي


زفرت نشوي بحدة مجيبه اياه من بين اسنانها بغيظ محاولة السيطرة علي ألمها حتي لا تنفجر في وجهه من ثم سنتحمل عواقب انفجرها هذا 


= هو انت بتتجاهل كلامي ليه؟ و مش عاوز تعمل المحضر شايفني بخرف و بقول كلام ما ينفعش يحصل، لا يبقى كده المفروض انتم كمان تتحاسبوا زيي عشان مش عارفين تشوفوا شغلكم صح.. ايوه صح انتم كمان السبب


بدا صوتها يعلي والابواب تفتح والجميع يخرج ينظر اليها بدهشه وفضول.. لكنها سرعان ما زمجزت مطلقة صرخة حادة متألمة و الألم يعصف بها بينما ضربات قلبها تضرب بجنون داخل صدرها


=من ضمن القوانين اللي عمالين تطلعوها كل يوم نسيتوا تطلعوا اهم قانون في الزمن ده.. وتعاقبوا الاهالي نفسها ..ايوه احنا بنغلط زي اولادنا بالضبط بس بنعاقب الاولاد ونسينا نعاقب نفسنا ليه لما أم تهمل في بنتها وتوصلها انها تتعذب طول حياتها وتقتل مش هي اللي تتعاقب ..


ظل الجميع يتطلع إليهم بصمت دون ان يستطع أن يجيبها أحد وعندما حاول رشوان تحريك شفتيه و اجابتها لكنه شعر بالعجز و تجمد من سدة التوتر.. 


وقفت نشوي بمنتصف القسم و الجميع حولها بينما شهقات بكائها المكتومة تملئ المكان من حولها وشعور بالذنب يتخلله لما فعلته بطفلتها الوحيدة وكيف تسببت في اذيتها، انفجرت باكية بسبب الألم الذي يعصف دون رحمة داخلها وصرخت بانفعال 


= قولي لي اللي مشغلينك انهم نسيوا يحطوا اهم قانون ويعاقبوا الاهلي على تقصيرهم واهمالهم في اولادهم.. وقول ليهم كمان أنهم نسيوا أن زي ما في عقوق الوالدين في عقوق لي الاولاد برضه و هنتحاسب في اخرتنا على تقصيرنا في اولادنا .. يبقى ليه في الدنيا ما نتحاسبش علي بنعملوا في اولادنا ونوصلهم لي..


اكملت صائحه بصوت مرتجف ضعيف من بين شهقات بكائها الممزقة، وكأنه كسهم قاسي انطلق ليصيب قلبها الذي يتلاطم بين امواج الحياه دون رحمة 


= يبقي ليه مش انا اللي اتحاسب انا اللي ما سمعتش بنتي انا اللي مهتمتش بيها زياده انا اللي مقربتش منها و فهمتها وعرفت هي كانت عاوزه تقول ايه ... شفت انا امي جاحد ازاي وقلبي اسود يبقى المفروض من فينا اللي يتعاقب انا ولا بنتي؟؟ 


ظل رشوان واقفة بمكانه و عينيه لا زالت عليها وصدره يعلو و ينخفض بقلق وحزن في ذات الوقت..


مسحت دموعها العالقة بعينيها وخديها بكم قميصها وهي تغمغم هامسة بصوت جامد متألمة وهي تخبره


= انا صح مش كده، يبقي اعدموني انا وطلعه لي بنتي! هي ما تستاهلش الموت كفايه اللي حصل ليها وهي صغيره هي اصلا اتقتلت من زمان وهي صغيره لما براءتها اتلوثت وروحها انطفت وكتمت صرخات المها جواها لما ما لقتش اللي يحميها ويصدقها، يبقى ما ينفعش تقتل ميت مرتين؟ موتوني انا! انا اللي استاهل مش هي 


ضغطت بيدها علي قلبها للتخفيف من الالم الذي يعصف بها و هى تأنب نفسها بقسوة على إهمالها هذا وهي التي تسببت في حكم الاعدام لها، وهي من تستحق الموت بدلا منها، انهمرت الدموع و إنطلقت من بين عينها بتلقائية متألمة.. تشعر شعور مُحطم ..شعور كاسر خاصةً ومرارة الخسارة تستقر ببواطن روحها....!! عادت للخلف خطوتان.. تحدق بالجميع بعيناها اللامعة بوميض راجي.. نادم... متخبطة ما بين الذهول و الجنون !! وحينها لم تتحمل فسقطت ارضًا وهي تنفجر في بكاء عنيف فنطقت اخيرًا بصوت مبحوح و تترجي وتتوسل مردده


= انتم ليه مش عاوزين تعقبوني وتسيبوا بنتي إيه ما فيش قانون بيقول كده عندكم؟ يبقى قوانينكم ظالمه، طب انا مستعده ابوس ايديكم واحد واحد بس سيبوا لي بنتي وخدوني انا مكانها.. والله العظيم انا اللي استاهل الموت مش هي كفايه ظلم ليها كفايه اللي حصل لها و روحها اتقهرت.. كفايه وخدوني انا.. غيروا القانون بتاعكم وعاقبوا الاهالي إللي السبب في ضيعان مستقبل عيالهم مش هما.. ابوس ايديكم غيروا القانون وعاقبوني انا مش بنتي


الفصل الرابع عشر (والاخيره)


#روايه_صمت_الفتيات

‌✍️⁩ #بقلم_خديجة_السيد

________________________


فـي الـقـسـم.


كانت شهقاتها تزداد بينما الجميع يتابعها بصمت... وهي مازالت تجلس بالأرض و روحها تحترق لأحتراق طفلتها بندم قاتل مع كل صرخة تخرج منها تنغرز كالأشواك بروحها.. وفي نفس اللحظة دلف اسماعيل يركض بخطوات سريعة بقلق وهو يبحث عن زوجته، وعندما راه رشوان تقدم اليه ويردد بصوت ملهوف


= اسماعيل كويس انك جيت تعالى شوفها مش راضيه تروح مع حد وشكلها تعبانه قوي انا من رأيي تطلع بيها من هنا على المستشفى عدل ،انت اصلا غلطت لما خرجتها من الاول وهي في الحاله دي


سمعت نشوي كلماته وهي مازالت ارضًا وراحت تصرخ بهياج هيستيري 


= وهو الدكتور هيعمل لي ايه انا وجعي ما لهوش دواء طلعوا لي بنتي ودخلوني انا مكانها هو ده علاجي،  ريحوني وما توجعوش قلبي عليها ما حدش حاسس بناري والوجع اللي جوايا عليها..


ثم رفعت عيناها الدامعة الي زوجها وهي تستطرد بنبرة متحشرجة 


= انا مش هفضل واقفه متكتفه وانا شايفاها بتضيع مني وانا السبب في اللي هي فيه ..حرام عليكم خرجوا لي بنتي


هز رأسه رشوان بيأس وقال بصوته الخافت المُحمل بعاطفة جياشه مرددا


= شايف بنفسك حالتها، هو ده اللي عماله تقوله من ساعه ما جيت.. عاوزانا نخرج ريحانه وندخلها هي مكانها ونحبسها .. خذها يا اسماعيل وامشي انت عارف ان قعدتها هنا مش هتحل حاجه


تنهد اسماعيل تنهيده عالية إنطلقت من بين شفتـاه  بتلقائية متألم بيأس و مُحطم بشعور الخساره خاصةً ومرارة الخسارة تستقر ببواطن روحه... عاد للخلف خطوتين.. يحدق بعيناه اللامعة الي داخل عين زوجته التي كانت تنظر إليه بوميض راجي! نادم...تتوسل إليه بأن يفعل شيء ولا يترك ابنتها هكذا تموت ضحيه اهمالهم! بينما عيناه هو جامدة.. متخبط ما بين الألم و.... قله الحيله !! ثم اقترب بعدها دون حديث ليجذبها معه باصرار للرحيل. 


***

بداخل مكتب المامور جلس الضابط أعلي المقعد وهو ينظر إلي الشابه التي امامه في عمر العشرين قائلا بجدية 


= خير قالوا لي أن حضرتك عاوزاني في موضوع مهم اتفضلي؟ 


صمتت الشابة لحظات مترددة فنطقت اخيرًا بصوت مبحوح 


= ايوه فعلا انا طلبت حضرتك بالاسم.. انا مش عارفه ابدا منين بس انا سالت وعرفت ان حضرتك اللي بتحقق في قضيه ريحانه اسماعيل اللي عمها تحرش بيها، انا متابعه القضيه على مواقع التواصل الاجتماعي، من ساعه ما بدات تقريبا وصعبان عليا قوي اللي حصل لي ريحانه وهي ما تستاهلش كده بجد


عقد حاجبيه باستغراب قائلا متسائلا باستفسار


=ايوه فعلا انا اللي كنت بيحقق في القضيه بس انتي عاوزاني ليه؟ 


ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة وهي تغمغم بصوت حاولت سرقة بذور التوتر منه قائله بخفوت


= عشان انا واحده من ضحايا المتحرش حمدي! 


عقد الضابط ما بين حاجبيه بعدم استيعاب ثم اردف بتلقائية مستنكرًا 


=ايــه! 


بدأت ضربات قلبها ترتجف من الألم وروحها تتلوى داخلها... ثم تعمقت النظر بعيناها المتحجرة بالدموع و قالت بصوتها الذي يحمل لونًا واضحًا من الألم خلفه 


= انا حصل لي نفس اللي حصل لي ريحانه تقريبا كان عندي برده خمس سنين وكان حمدي المفروض أنه صديق والدي وكان بيستدرجني بنفس الطريقه عشان يستغلني ويمارس شهواته عليا..!! اللي حصل لي وأنا صغيرة متخططتهاش غير وانا كبيرة و محدش يعرف عنه حاجة ، يمكن دلوقت بس بدات افوق واعرف أهلي مؤخراً و دلوقت قررت اتكلم عنه هنا .. 


سقطت دموعها بحزن وتابعت بازدراء 


= وأنا صغيرة اتعرضت للتحرش الجنسي من حد مكنش متوقع خالص كنت بقول عليه عمي حمدي وكان صديق مقرب لوالدي، بس هي كانت حاجة صادمة بالنسبالي لأنه وقتها كان قد ابويا وانا كنت صغيره جدا.. و كان بالنسبة لأهلي حد موثوق فيه ! 


مسح الضابط وجهه بغضب شديد وهو يستمع الى مأساتها لم تكن الاولى بالفعل ولا الاخيره لكن هذه الدائره الذي يسيرون بداخلها يشعر أنها بلا نهايه.


تنهدت الشابه بعمق تنهيدة تصدر عن أعماق أعماق تلك الضجة التي تهتاج اكثر داخلها شيءً فشيء وهي تتحدث.. ثم رفعت رأسها وهي تخبره بنبرة صادقة مُذبذبة


=أنا مقدرتش اتخطى الموضوع ده غير لما تابعت قضيه ريحانه و الاخبار والمواقع ابتدات تتكلم عنه وتكتب اسمه وتنشر صوره لي كمان، ما اخذتش دقيقتين وعرفته على طول وافتكرت المرتين اللي حاول فيهم يتحرش بيا، او هو اتحرش بالفعل، أنا بقي معنديش اي ثقة في أي... و بتكلم فيها دلوقت لسبب ، 

عشان فكرة انك حقيقي تثق في حد مع عيالك دي المفروض المفروض تتلغي، وان احنا لازم نواعي اولادنا من حاجه زي كده لو حصلت


عضت على شفتاها بأسى وهي تخبره بين دموعها بتوجس


= أنا لما عرفت إن الشخص ده توفـى خلاص أنا فرحت اوي.. و كنت أول و آخر مرة في حياتي أحس يعني ايه شمـاته ،المرة الوحيدة اللي حسيت فيها إنه ياااه أخيراً الشخص اللي كان مسبب لي عقده في حياتي وخوف مات.. انا عارفه ممكن اكون غلط اني  بشمت في ميت 


زفر بعنف شديد وهو يستمع إلى كلماتها وداخله شيء يردد مغموسًا باليقين يجب ان يضع حال الى هذه المهزله لم يكن حمدي المتحرش رقم واحد فيوجد العديد منه والتحرش منتشر بصور كثيره في جميع انحاء البلاد ورغم ذلك قليلا من يتشجع من الفتيات الى رفع القواضي ضد الجاني! خوفا من الفضيحه والعار!! لكن الى متى سيظل هذا الخوف داخل الفتيات والاهالي؟؟. 


بدأت شهقاتها تزداد بينما هو يتابعها بصمت يحدق بها بشفقة حقيقية والحزن يستوطنه بيأس وضيق علي تلك الفتيات، مسحت دموعها وهي تقول بصوت تحول إلى اشتمزاز


= بس هو كان شخص غليظ ومقرف أذاني اوي وأنا كنت جـبانة أكتر من إني أحكي الموضوع لي أهلي أو لي أي حد... وما كنتش لاقيه حل ومش عارفة أقول اللي حصل ..بس كنت طول الوقت مضايقه و زعلانة اني عرفت احساس الخوف والرعب طول الوقت وانا في سن صغير مش عارفه اتصرف ولا امارس حياتي عادي بعد اللي حصل .. أنا لما كنت بشوفوا كنت بستخبى تحت السفرة من كتر جبني وخوفي منه.. انا بكرهه بجد بكرهه ومش مسامحاه على اللي عمله معايا هو اذني بشكل وحش قوي مش قادره انساه 


بللت شفتاها والتوتر يزحف لكافة جوارحها ببطء ثم خرج صوتها مبحوحًا يتحجزه القلق 


= مالك حضرتك بتبصلي كده ليه؟ 


رسم الحدة والخشونة على ملامحه الرجولية وهو يجيب عليها بتعجب ودهشة


= مستغرب بصراحه ان في واحده اخيرا جاء واتكلمت رغم أنها متأخرة اوي صحيح بس اخيرا اديتنا امل ان في بنات لسه بتدافع عن حقها ومش بتسكت على الاشكال دي 


عضت علي شفتها السفلية وتشدق بعبث متحسره علي نفسها


= احنا بنسكت من الخوف وهو للاسف هددني وانا كان عقلي صغير ومستوعبه اللي بيحصل عشان كده سكت وما رضيتش اقول لاهلي وبعدين اللي حصل لي كان مرتين بس منه... مش ثلاث سنين زي ريحانه الله يكون في عونها بجد انا المرتين دول و مش قادره انساهم من ذاكرتي لحد دلوقتي، ولا قادره اعيش حياتي عادي وارتبط 


ليسألها الضابط بصوت هادئ خشن 


= طب ايه اللي خلاكي تيجي وتتكلمي دلوقت اشمعنى في الوقت ده؟  


تنهدت هي بصوت مسموع مُعذب هاتفه


= يمكن قصه ريحانه و اللي شفته حصل ليها هي اللي شجعتني وخلتني اقول لاهلي كمان اللي حصل.. وكمان انا مستعده ارفع قضيه وانا مش خايفه من كلام الناس عشان انا ما عملتش حاجه غلط 


عقد ما بين حاجباه وهو يحدق بها متسائلا باهتمام


=متاكده من موضوع القضيه دي وانك مستعده تشهدي في المحكمه ان حمدي اتحرش بيكي مرتين عشان الموضوع ده مش هيجبلك حقك لان الجاني خلاص مات! ومش هينوبك حاجه غير الناس كلها هتعرف وممكن تتراجعي زي غيرك وتخافي.. وبعدين اهلك عملوا ايه لما عرفوا؟ حد منهم منعك تيجي 


اومأت الشابه وهي تهز رأسها بقلة حيلة مرددة بصوت شارد في حياتها البائسة التي راحت هدر بسبب شخص يدعى أشباه الرجال بلا قلب وبلا رحمـة


= بالعكس هم زعلوا مني عشان ما تكلمتش من الاول.. طبعا هم اتصدموا في الاول و لاموني ان انا ما قلتش حاجه زي كده من البدايه وما ينفعش كنت اسكت عشان الشخص ده ما يفضلش مستمر جنبي ويعمل اللي بيعمله ، ولما وريتهم قصه ريحانه واللي هي بتقوله في المحكمه صعبت عليهم جدا و اقترحت عليهم ان انا عاوزه اروح المحكمه و اقف قدام القاضي و قدام الناس كلها واقول أن أنا حصل لي نفس اللي حصل ليها يمكن شهادتي تخفف الحكم عليها ..ولا حتى لو مخففتش غيري يتشجع ويروح يقول الحقيقه لأننا ما ينفعش نسكت وما ناخذش حقنا.. ما ينفعش انا افضل متعذبه وبحس بكل الاحاسيس اللي وحشه دي بسبب شخص ما عندوش ضمير ولا رحمه، وهو بيمارس حياته عادي ولا اكنه اذاني واذي غيري ... 


ثم أخذت نفس عميق و أردفت بصوت منخفض


= وبالمناسبه انا بابا بره مستنيني ،بس قالي ادخلي انتي الاول عشان تاخذي راحتك وتحكي كل حاجه لضابط.. وبلاش ادخل معاكي عشان ما تتكسفيش مني ولا تخافي 


ارجع الضابط ظهره الي الخلف وهو يشرد في بدر وما يفعله وكيف منع ابنته بقول الحقيقه واخذ حقها..! بينما الان امام نموذج اخر الاباء هي من تشجع ابنائها لاخذ حقها.. فصحيح هناك من يفسد ارض وهناك من يصلحها..!  


***

بعد مرور شهرين..


بداخل السجن كنت أسير حتى وصلت امام أبي وأمي... ابتسم لهم بهدوء بينما مرت دقيقة تقريبًا وامي متجمدة مكانها تطلع في وانا ارتدي تلك البدله الحمراء! وكأنه جبل من جليد يعيق سير دقاتها الممسوسة باهتزاز روحها من الأساس!! بدأت قدماها تعود للخلف بتلقائية... الدموع متحجرة في عيناها ولكنها ترفض الخضوع لسطوة الانهيـار.. لكنها بدأت بالفعل تثور وتبكي بحرقه و عنف حتي كادت أن تسقط لولا أنا ركضت ولحقتها وقلت لها بقلق شديد


= ماما حاسبي يا حبيبتي ،مالك انتي كويسه


سحبتني أمي الي احضانها بقوة ثم واخيرًا استطاعت دافعي بعيد برفق لتمسك هي وجهي بين يداها وعيناها بدأت تتساقط الدموع منها بحزن وصوتها الخشن يخرج مهتز مختنق 


= لا مش كويسه وعمري ما هبقى كويسه طول ما انتي بعيده عن حضني يا ريحانه.. صعبان عليا وانا شايفاكي لابسه البدله الحمراء مش قادره اتخيل ان خلاص ممكن بعد كام يوم تروحي مني وما اشوفكيش ثاني، ليه كده بس


شددت على يداها و اخبرتها أنا قائله احاول رسم ابتسامة هادئه علي ثغري


= انا كويسه ما تقلقيش الحمد لله على كل حاجه نصيبي كده 


ثم بعدها ليجلسون بهدوء وهم يتمتعون النظر اليه باهتمام وحزن.. دون حديث! عقدت حاجبي بدهشة وعدم فهم وقلت باستغراب 


= هو انتم ساكتين ليه؟ 


نظر أبي متعنًا في وجهي وهو يسألني


= هنقول ايه يعني.. احنا جايين النهارده عشان نطمن عليكي ومش عاوزين نتكلم عاوزين بس نفضل نبصلك كده لحد ما نشبع منك


استغربت صمتهم الرهيب ولكن رغم ذلك سألتهم بشك


= هو الطعن اترفض مش كده؟ 


وضعت امي يدها فوق فمها بضعف وهي تبكي بشده وأبي أخفض وجهه بقله حيله ويأس.. وبعدها فهمت انا الاجابه بمفردي.. ابتسمت ببرود واقتربت جلست وقلت بصوت منخفض


= طب تمام زعلانين ليه؟ مش اخر الدنيا ايه يعني اللي هيحصل هموت أنا سبق وقلت لك يا بابا انا مت قبل كده واللي قدامكم دي واحده بتعافر في الدنيا عشان تحاول تعيش الايام اللي فاضله.. فالموت بالنسبه لي راحه ما تزعلوش، خلاص اهدوا كده و تقبلوا الموضوع بصدر رحب 


رفعت أمي مقلتيها ونظرت إليه بألم حاد وقالت بزهو 


= ايه اللي انتي بتقوليه ده بس حرام عليكي، هو سهل علينا تروحي مننا مش كفايه اللي عملناه فيكي وانتي صغيره وظلمناكي وكنا مقصرين معاكي اوي.. لسه ما شبعناش منك يا ريحانه مش هقدر يا بنتي اعيش من غيرك في الدنيا 


زفرت بصوت مسموع ثم هتفت بصوت خالي من التعابير حيث كنت جامدة..و نظراتي خالية من شتى المشاعر... خاوية احدق بهم فقط 


= ولا انا هقدر على بعضكم بس ما فيش حاجه هتتغير خلاص.. انا شايفه الاحسن ان احنا نحاول نمهد الموضوع واحده واحده عشان نحاول نعدي اللي جاي  


هز رأسه أبي بسرعة وهو يخبرني شاهق بحروف متفرقة كالشرق والغرب 


= ما فيش حاجه هتخلينا نقدر ننسى اللي حصل ولا نقدر على بعدك، واحنا لحد اخر نفس عمالين اهو ندعي وندور على اي امل جديد   


حينها رفعت عيناي لملامحهم المتألمه وأنا اخبرهم هامسة بصوت جامد خلفه اخفي الألف من الالام


= بس ممكن ما اشوفكوش ثاني بجد ويبقى ما فيش اي حل غير الواقع وهو اني هتعدم، جايز يكون احسن عشان ارتاح انا اللي جوايا قاتلني، وطول الوقت حاسه ان انا جوايا وجع وكلاكيع وحاجات كثيره مش هعرف اعيش في الدنيا وهي جوايا عشان ما لهاش علاج.. ‏ومفيش حد يقدر يساعدني ولا حد هيعرف يطلعني من اللي أنا فيه


حينها رفعت رأسي وعقلي ومَن كان يجيب قلبي المكتوي ألمًا 


= على الاقل اديني حققت اللي انا كنت عاوزه واخيرا اتكلمت.. والناس مش هتدعي عليا لما أموت وافضل في نظرهم واحده قتلت عمها وهم مش عارفين اسباب


هتف أبي متسائلا بتأثر بصوت متحشرج


= ليه كل ده؟


هززت رأسي نافية بكل هدوء بحركة رشيقة وأنا اردد بصوت لا حياة فيه


= ‏علشان أنا في زمن مش بتاعي، بفهم الناس لكن مفيش حد بيفهمني. 


إنحسرت الكلمات بين شفتي واضطربت أنفاسي بتوتر شديد بينما ارتعشت شفتي وانا أقول بصوت شاحب 


= انا عمري ما آذيت حد ولا اتمنيت الشر لحد ورغم ذلك مش مرتاحة.. ‏كل حاجه حواليا وجعاني، القلوب اللي مليانه غل وحقد واللي جواهم غير براهم. الناس اللي بقت تستسهل الكلام اللي يوجع وتقول أصل خايفه عليكي وبنصحك.. فكره اني ارجع أثق في حد بقيت احتماليه صفر عندي، حتى لما فكرت اتكلم ما ارتحتش و لسه زي ما انا موجوعه من جوه..


ثم همست و داخلي حروف تتمنى لو تخرج للنور


= مش عارفه من ايه بالضبط الشعور ده، بس من اسباب كثير حواليا، وجايز يكون شيء عادي بحسه مين اللي شفته.. بس الشعور ده مخليني يئست ومستسلمه ومحبطه وشايفه ان الموت هو الحل.. ‏عرفتوا بقى إن اللي أنا فيه مالوش حل غير الموت


اقتربت مني والدتي وهي مازالت دموعها تتساقط ثم تابـعت بخفوت تتوسل 


= لا ما تقوليش كده بعد الشر عليكي يا حبيبتي كل ده اكيد لي حل واحنا خلاص عرفنا غلطتنا وهنفضل جنبك ومش هنسيبك وهنساعدك وكل حاجه عملناها زمان معاكي هنعمل عكسها دلوقت عشان تقوي من جديد 


ما أقساه هذا شعور ! شعور كالسكين البارد الذي ينغرز بمنتصف قلبي ،هتفت مرددة بصوت صلب قاسي 


= كل ده مش هيفيد بحاجه! ندم بعد فوات الأوان 


تنهد أبي اكثر من مرة بصوت مسموع... ربما احيانًا نُجبر على السير في خطا كالأشواك بالنسبة لنا ولكنها تظل أفضل من خطا نحو الجحيم، حينها وفي تلك اللحظة إنفجرت كل مشاعر أبي وأمي والندم غرق نبرته الأجشة والتوسل كان باطنًا سميكًا له وهو يقول


= احنا السبب في كل ده صح يا ريتنا كنا قربنا منك وسمعناكي ولا ربناكي على العادات والتقاليد اللي كانت غلط من الاول.. يا ريت نقدر نرجع الزمن يا بنتي كنا غيرنا حاجات كثير قوي في حياتك و ما كناش وصلنا للي احنا فيه دلوقت 


صمت أنا وطال صمتي اعلم أن اجابتي بالتأكيد ربما تصبح كالسكين ينغرز بقلب والدتي المسكينة وأبي حين يجدون أن طفلتهما الوحيده تفتخر بقتل اعدائها... فأجابت بصوت اجش 


= بس انا مش ندمانه! ايوه مش ندمانه ان انا قتلت إللي كان السبب في موتي وانا حيه وقتل بنات كثير غيري، وحرمنا من طفولتنا وقتل براءتنا جوانا.. عارفين ليه مش ندمانه لاني متاكده ان انا حتى لو كنت اتكلمت زمان ما حدش كان هيجيبلي حقي ولا يسمعني فبلاش نظره تانيب الضمير اللي في عينيكم دي.. لان حتي لو رجع بيا الزمن هعمل نفسي اللي انا عملته وهقتل عمي حمدي برضه 


نظر إليه أبي اسفًا قد تلقى ردًا لم يكن يتمنـاه ابدًا... فماذا فعل في ابنته حتى يوصلها لتلك الحال ولا تندم على قتل شخص حتى لو كان يستحق كذلك، رغم أنه يعلم الاجابه تلك ولكنه كان يحاول حجبها عن طريقه... ولكن بنطق هذه الكلمات أصبحت كالجدار في ذلك الطريق. 


نهضت واحتضنت كف أمي معًا بين كفي وانا اقبلهما بحنان فطري صادق و كادت أن ارحل ولكن أبي كان الأسرع فجذبني له فجأة بعنف يحتضني و كانت عيناه تدمع حرفيا وهو يتنهد بألم و بصوت مذبذب متوجع.. وفي تلك اللحظات رفعت وجهي له و همست بهمس الخافت المُحمل بعاطفة خاصة لا أريد اظهرها دومًا 


= هتوحشوني قوي.. عشان خاطري لو بتحبوني بجد بلاش تتعبوا نفسكم قوي بالتفكير في اللي فات، و ما فيش حاجه بترجع بعد ما راحت 


وبالرغم من قساوة الكلمات التي جعلتني كالبحر يبتلع في جوفه الكثير ولكنه سيود الانفجار حتمًا من كثرة ما ابتلع.. الا أنهم لم ينطقوا بشيء سوي الدموع ملات أعينهم ! ربما كان الوداع هنا. 


بدأ يربت أبي على خصلات شعري بحنان وكأنني مازالت طفلته الصغيره التي لم تكبر بعد.. وبعدها سحبتني أمي و احتضنتي بحنان بحت... لا اشعر أن قلبها هو من كان يحتويني وليس جسدها وكأن بكاء أمي شيء يجعل كياني يرتجف بعنف !!.....


رحلت للخارج بينما عقدت أمي حاجبيها بألم متأوهه بألم عنيف يحطم قلبها بدون رحمة، هاتفه بصوت يحمل بذبذبات مذبوحة


= تفتكر يا اسماعيل لو كنا عرفنا اللي حصل قبل كده كنا فعلا هنقف جنب بنتنا ونجيبلها حقها ولا كنا هنعمل نفسنا زي غيرنا مش واخدين بالنا ونجيب الغلط عليها كمان؟ كنا هنبقى معاها ولا ضدها!. 


نظر اسماعيل نحوها بدهشة وصمت وتمسك نفسه بصعوبة، فكأن سؤالها صعب للغاية وقد مس دواخل داخله بعمق.. رغم أن الاجابه الصحيح معرفه لكنها في ذلك المجتمع تتلون الحقائق احيانا. 


***

بعد أن خرجت وتركت أبي وأمي يبكون بحسره على شبابي وخسارتي، كنت أسير بطريقي نحوي العنبر ذبلت كليًا واصبح جسـدي يزجـه القدر بلا روح ولا هدف !! كنت موجوعه و كامل جسدي يرتجف و انفاسي تسارعت و احتدت بشدة شاعرة كأنني ستار اسود قد اعمي عيناي..


ولكن قبل أن أكمل خطواتي سقطت على الارض بعنف وضعت يدي على وجهي بقهر ينبثق منه اليأس و الالم يسيطران عليا... وصرخت بصوت متقطع من شدة الألم الذى كان يعصف بداخلي كالاعصار الذى يوشك بتدمير كل ما حولي عاصف لو اطلقت العنان له لأحرقت الأخضر.. 


انفجرت باكية بشهقات بكائي الممزقة وقد سحقني الالم الذى كان يمزق قلبي بسبب فراقي.. رغم أني كنت ارغب بالموت بلحظات كثيره لكن حزن ابي وامي عليه قهرني و إني بعد هذه المعاناه سوف اموت بدون انتصاري علي كل من ظلمني..!! 


إتسعت عينا السجينة التي كانت تسير معي لتنظر إليه بفزع وخوف وهي تقف تشاهدني انهار ولا تعرف ماذا تفعل..؟؟ 


وصرخاتي مازالت تتعالى في الارجاء ولكن بالنسبة لقلوب لا يطل عليها نور الحياة فأنا صماء عن ذلك الصراخ المقهور بالظلم ......


***

في منزل بدر خرجـت رحاب بأعين ذابله لعدم قدرتها على النوم لساعات طويلة لتجـد بدر زوجها قد غير ملابس العمل وكان يجلس أمام التلفاز، ثم نظـر لها بتفحـص، عندما اقتربت منه وهو يقول متسائلا بحنق


=نقول مساء الخير يا هانم ولا لسه هتخشي تكملي نوم تاني.. كل ده نوم يا رحاب اول ما جيت من الشغل الاقيكٍ مجهز الاكل في المطبخ ومخليه بناتك هم اللي يحطهلي، لما سالتهم تعبانه ولا ايه قالوا لي إنك ما نمتيش و لسه داخله تنامي من شويه! ايه اللي مسهرك كل ده 


جلست علي الكرسي أمامه وسرعان ما تبدلت نظراتهـا للخوف ومن ثم قالت بقلق  


= انا ما نمتش طول الليل خالص ولا الايام اللي فاتت يا بدر بقيت اعرف ادوق فيهم طعم الراحه، طول الوقت تفكيري في اللي حصل لي بنتك وازاي ظلمنا ريحانه وهتموت بسببنا، حتى لما بنام شويه بصحى علي كوابيس وحشه قوي في بناتك


نظر إليها بدر بحده وقد مازال محتفظ بهدوءه وصبره قائلا بجدية


= قلت لك اسكتي والموضوع ده ما يتفتحش ثاني في البيت 


عضـت رحاب علي شفتهـا السفلية بحـزن، ثم نظـرت بعينيها السوداء التي كسـتها الدموع حتي اعطتها لمعة ملتهبة زادت من سوادها المظلـم كحلكة الليل، ثم استطردت بلـوم قائله


= مش بمزاجي ومش هانسى ولا انت كمان هتنسى وبعدين احنا هنكذب الكدبه ونصدقها ما هي دي الحقيقه احنا ظالمين و وحشين واللي بنعملوا في حق ريحانه ده اكبر ظلم هنتجازا عليه في اخرتنا.. احنا ازاي هنعرف نقابل ربنا ونقف قصاده واحنا نصرنا الباطل على الحق 


تنهـد بدر بضيق شديد ثم رمقـها بجدية يشوبها الحدة بهدف تغيير موقف زوجته ليقول بصرامة 


= ثاني هو انتي مش ناويه تسكتي بقى هقعد افهمك كل مره ان احنا بنعملوا ده في مصلحه البنات، انتي دلوقتي بتتكلمي عشان السكينه سارقاكي لكن لو طوعتك وعملت اللي انتي عاوزاه هتجيلي بعد يومين بالضبط وهتقولي يا ريتني كنت سمعت كلامك وهتندمي فالاحسن نسكت..


ثم أستـدرك نفسه وعاد ينظر لها بحدة وقال بتوتر


= وبعدين اكيد ربنا هيسامحنا مش احنا اللي بنظلم، الناس هي اللي بتظلم وبعدين هو احنا السبب في اللي حصل لي ريحانه ما اهلها هم كمان وعمها السبب فاللي حصل ليها واحنا مالنا 


زمـت شفتيهـا بعدم رضـا، تعترض وبشدة علي هذا الحديث الذي يقلق نومتها كل ليلة، تنهـدت بعمق قبل ان تردف 


= انت بتبرر ايه حرام عليك البنت نقذت بنتنا من ايد واحد ما عندوش ضمير ولا رحمه تخيل لو ما كانتش ريحانه راحت ونقذت دهب او عملت زينا اكنها ما اخذتش بالها منها وطنشت... اللي كان هيحصل لبنتك دلوقت وتخيل كانت دهب هتروح تقول لينا واحنا اللي بنسكتها بيدينا دلوقتي 


أدمعت عينها بيأس وحزن شديد وهي تقول بصوت مرتجف


= يا بدر ده انت لما وقفت قدام بناتك وسالتهم ليه ما حدش منكم كذب الصحفي إللي كان جي مع اسماعيل لما قال عليكم ممكن يكون بيحصل لكم حاجه وانتم مش راضيين تقولوا لينا البنات سكتوا وماقدروش يحطوا عينيهم في عينك.. ايه الاجابه ما وصلتش ليك ولا فهمت اني اكيد في حاجات بتحصل ليهم واحنا مش دريانين بيها... ورغم كده عاوزنا نسكت ..انا مش هقدر اسكت ضميري اكتر من كده


نهض بدر بعصبية شديدة ونظر إلى رحاب بقوة قبل ان يجيبـه بأبتسامة صفراء امل ان تخفـي الغضب 


= لا هتسكتي و غصبا عنك افتكري كلام الناس اللي مش هتقدري عليهم لما يفضلوا يجيبوا في سيره بناتك ليل ونهار ساعتها هتسكتي... وبعدين انا اللي هشيل الذنب خلاص ارتحتي كده نامي وارتاحي بقى


جـزت رحاب علي شفتيهـا بغبطة في حين وقفت امام زوجها وهي لا تتحمل وتصبر اكثر من ذلك، ولكن الي متـي ؟! واكمـلت قائله وقد كانت نبراتها تحمل الندم الشديد المكبوتـة بداخلها باحساس الذنب المرير 


= زوجه سيدنا لوط عليه السلام ما كانتش بتشارك اهلها في القرف اللي بيعملوه مع بعض.. ورغم كده ربنا عاقبها عشان كانت عارفه وساكته، فلا يا بدر مش بس اللي بيتحسب اللي بيغلط اللي بيشوف الحق ويسكت كمان... وانا جزء من الحق و اقدر أخذ بنتي بايدي  واوديها القسم تعترف بالحق واطلع الغلبانه اللي هتروح وهي مالها ذنب 


صمت بدر لحظه ولكن يختتم تفكيره بالنهايـة بأنـه ما فعل ذلك لا حل غيـره، وبصرامـة حاول جعلها تتوغـل لهجتـه بتهديد قائلا


= طب جربي تروحي كده ولو خرجتي من باب البيت من غير اذني و رحتي القسم وقلتي حاجه هتبقي طالق يا رحاب ..ومش بس كده تنسي انك ليكي بنات كمان عشان مش هتفرج عليكي وانتي بتاذي بناتي وانا افضل ساكت ولا اخر مره بقول لك قفلي على الموضوع ده خالص، عشان بعد كده انتي اللي هتندمي.


شهقت رحاب بعدم تصديق واتسعت عيناها بصدمه وذهول وهي تسمع تهديد زوجها بأنه سوف يطلقها إذا تكلمت بالحرف واحد!. بينما انزلت راسها عاجزه بصمت والدموع تلمع داخل عينيها.  


"صدق الأديب الكبير نجيب محفوظ حين قال في ذلك المجتمع يخاف الناس من العادات والتقاليد أكثر من خوفه من الله!."


***

مرت أسابيع قليلة بينما كنت اقضى الوقت بين الدعاء او تلاوة أيات من الذكر الحكيم او الصلاه أو النوم حتى يرتاح جسدى ،والطعام كان يقدم لي ثلاث مرات لكني كنت اتناول منه فقط سوي عباره عن رغيف من الخبز ،وقطعه جبن صغيره تكفي معدتي للبقاء علي قيد الحياة..  


وفى نهاية مده الحبس الخاص بي قد تعودت على العزله وتلك الحياه وتمنيت انتهاء مدة العقوبه هنا حتي يتم تنفيذ الحكم بالاعدام عليا حتي بعدها ارتاح عندما اذهب الي العادل المولي هو "الله".


كان الجميع بحاله ذهول من حالتي تلك يعتقدون إنني أمتلك شجاعه لا مثيل لها حتي اكون بذلك الثبات.


بينما كان في الوقت الجميع معجبة بمدي اصراري وقوتي، ويضربون الامثال بالشجاعتي كنت أنا حزينة علي نفسي .. لم يشعر أحد ما بداخلي من نيران مشتعلة طوال الوقت، لم يدرك ٱحد بأن صمودي ليس باختياري.. ٱنني مجبرة علىٰ هذا الثبات وهذه القوة ..أنا بداخلي محطمة تماماً ولكني للأسف لا ٱملك رفاهية الإنهيار ..فلا تصدقوا ما ترون امامكم في هذه الحياة، إن ما نخفيه في صدورنا أثقل مما يتصوره احد وخلف أقنعة الضحك و الابتسام يختبئ الكثير والكثير من الالام..!!!   


في اليوم التالي.


وقف حمزه علي الفور عندما وجدني قادمه إليه لـ يتطلع اليه عدة لحظات بتردد وانا اقف خلف القضبان الحديدية الفاصل بيننا و عينيه كانت تلتمع بالقلق عليه قبل ان يهز برأسه لي قائلا بتردد


= ازيك يا ريحانه عامله ايه انتي كويسه؟ 


تقدمت أقف خلف القضبان الحديدية انا الأخري، وتنفست بعمق قبل ان اهمس بصوت جعلته مقضطب خالى من اى تعبير او انفعال


= هتعدم كمان يومين المفروض هكون عامله ازاي؟ عادي مش حاسه بحاجه او مش عاوزه احس مش فارقه وده اللي انا كنت عاوزه من الاول، وانا قلت لك قبل كده ما فيش ميت بيموت مرتين وانا مت من زمان واتوجعت أوي واكيد الموته الثانيه مش هتكون قد الوجع اللي حسيته في الاول بيتهيالي هتكون راحه بعد كده.. ايوه راحه انا مش هكون وسط العالم ده ثاني بس انتم هتفضلوا زي ما انتم و مفيش حاجه هتتغير


قبض يده علي الحديد ونظر لي يبتلع بصعوبة الغصة التى تشكلت بحلقه عندما رأي نظرتي المليئه بالاحباط واليأس التى ارتسمت بعيني قائلا بصوت مرتجف


= ريحانه انا اسف


هززت رأسي بالنفى قائلة بصوت مختنق


=اسف على ايه؟ و انت ذنبك ايه عشان تتاسف انا اللي اتوجعت وانا اللي بتعاقب دلوقت عشان قتلت 


قد فقد السيطرة علي اعصابه تماماً و قد احمر وجهه و احتقن من شدة الانفعال و الضغط الذي يمارسه على نفسه من تانيب الضمير والتفكير به 


= بس اديتك امل ووعدتك ان هيجي يوم و براءتك هتظهر وهتخرجي من هنا، بس للاسف ده ما حصلش وانا ما طلعتش قد وعدي


همست بكلمات متقطعة وأنا ضاغطة بيدي علي قلبي للتخفيف من الالم الذي لا يعصف بي 


= انت ملكش ذنب يا حمزه على الاقل انت حاولت وساعدتني فعلا ووصلت حكايتي للناس بره وانا متاكده إذا ١٠٠ واحد طنش اكيد فيه غيره حتى لو واحد في المئه بس هيهتم ويقرا ويستفاد و ان شاء الله كله ياخذ حذروا وما يسكتش زيي


لكن كلماتي جعلت الدماء تفر من عروقه و قد هدد الضغط الذي قبض علي صدره بسحق قلبه.. و قد انسابت الدموع بصمت على وجنتي من جديد لي اكمل هامسه بتعب وضعف 


= تخيل انسان عمري بينتهي وهو منتظر عشان يلاقي قلوب تحن عليه وتديله ترخيص انه اخيرا بقى لي حق ان يرفض حد ينتهك جسده رغم عنه ويقول لا


تجمدت الدماء بعروق حمزه فور سماعه كلماتي تلك لتتسارع انفاسه و احتدت بشدة شاعراً كأن ستار اسود من الغصب اعمى عينيه.. نظر إليه يشاهدني في حالتي تلك باعين غائمة بالدموع بينما قلبه يؤلمه بحزن نحوي.


= بس انتي ما تستهليش كده انتي مكانك مش هنا انتي الضحيه انتي المظلومه يا ريحانه، ما ينفعش تكون دي النهايه خالص مش قادر اصدق انك بعد الظلم إللي ظلمتيه انتي في النهايه برده اللي بتتعاقبي طب ازاي وليه؟؟ هو معقول احنا ظالمين قوي للدرجه دي و وحشين عشان ما حدش فينا قادر يعترض ويساعدك ده ظلم


حاولت رسم ابتسامه صغيره، ومسحت وجهي بيدي المرتجفة و أنا اهز رأسي هاتفه


= مين قال لك انك مش هتقدر تساعدني انت وغيرك حتى بعد ما اموت انت لسه قدامك حاجات كثير تعملها ،افضل مستمر تهاجم اللي بيدافع عن المتحرشين والمغتصبين وافضل كمان اتكلم مع البنات انهم ما يسكتوش وافضل كرر حكايتي للعالم كله والناس عشان الكل يخاف ان يوصل لي أنا وصلتله، والاهلي لازم تفهم احنا لينا حق والمفروض ناخذه مش هم اللي يديروا علينا كاننا وصمه عار خايفين مننا .. ومين عارف جايز يكون موتي هيصحي ضمير ناس كثير ويكون علامه امل لناس تتكلم 


مرر نظراته بلهفة وقلق عليه من وراء الاسلاك الحديديه الفاصله بيننا قائلاً بصوت اجش يملئه القلق عليا و الغضب في نفس الوقت من مما قالته و أننا سوف أفارق الحياه لأجل كسر قواعده الصمت 


= أنا فعلا عمري ما هانساكي وهفضل فاكر كل كلمه قلتهالي.. بس هيكون الثمن غالي اوي يا ريحانه، هو احنا لازم تحصل مصيبه ولا كارثه ولا ناس تضحي بحياتها عشان نتحرك 


تراجعت للخلف هامسه بصوت مختنق وأنا اشعر باني على وشك الانهيار ولا ارغب ان يراني بحالتي تلك


= هو ده حال الدنيا للاسف.. اشوف وشك بخير مع السلامه، شكلها هتكون آخر مرة اشوفك فيها.. الوداع


***

علي صوت زقزقة العصافير، وطلوع الشمس لتسطـع بنورها الذى ينير علي البيوت كان بداخل منزل إسماعيل يسود الصمت التام بالمنزل فاليوم هو موعد تنفيذ حكم الاعدام على ريحانه! 


في الداخل عند نشوي كانت تجلس علي الفراش وهي شارده في الماضي في نفس المكان التي تجلس عليه الآن لكن قبل سنوات طويلة.


تنهدت بسعاده بينما تحمل بين ذراعيها صغيرتها ريحانه التي كانت تبلغ من العمر عشرة اشهر بينما تراقبها باعين مليئه بالشغف وهي تتنمي داخلها ان تكبر بسرعه حتي تراها اجمل عروسه ،حيث كانت نشوي تقوم بإطعام صغيرتها في ذات الوقت من صحن الطعام الخاص بها ..لتكمل بينما تضع ملعقه من الطعام بفم طفلتها مره اخرى التي اخذت تصفق بيديها بفرح بينما تمرغ فمها بوجه والدتها التي أخذت تغني بسعاده ومرح معها وهي كل حين تقبلها بحنان.


انفجرت نشوي باكية وهي الآن تتمنى أن ظلت طفلتها صغيره ولا تكبر مطلقاً وتتذوق الوان العذاب التي مرت بها ...


بعد لحظات نهضت نشوي من أعلي الفراش بثقل تشعر بألم بجسـدها لتسير نحوي المرحاض.. أغلقت نشوي الباب خلفهـا، تتنهـد بقـوة، تمنـع دموعها من الهطول بصعوبـة ثم اغتسلت ثم توضـأت بسرعة وخرجـت تؤدي فردها وتبكي بحرقه بالسجود اصـدرت انينًا خافتًا متألمًا تعبر عن مدى الحزن الذى يجيش بصدرها حتى كاد يقتلها مع الوقت، اطبقـت علي شفتيها بقوة تعتصرهم لتمنع دموعها من الهطول لكنها لم تستطع منع نفسها من البكاء والحزن! 


ابتسمـت بسخرية مريرة، فهذا كل ما تملكـه، هذا يعـد كل ممتلكاتـها في هذه الحياه التي سلبت منها كل شيئ حتي ابنتها الوحيدة، ولكن يظل دائما الدموع والحزن، ثم بدأت تؤدى فريضتها بخشـوع، وبالطبع لا تخلو من دعاءها لي ابنتها مثل كل يوم لكن عند هذه النقطه تذكرت انها بعد يوم سوف تدعي اليها بالرحمـه..!!!


يا له من احساس مؤلم كانت قبل شهور تجهز ابنتها لحفل زفافها بسعاده لكن اليوم ستجهز ابنتها الى حكم الـمـوت.


***


في الـخـارج.


هوي " اسماعيل " علي الكرسي الخشبي بثقل جسده حتي اصدر صوتًا، نظراته مثبتة علي برواز صور ابنته الذي يحمله بيده وهي تضحك ببراءة عندما كان يحملها هو ويرفعها في الهواء بيده ويلتقطها مره ثانيه بامان، كانت نظراته تقول الف كلمة واولهم الي متي سيظهـر القوة وبداخله يتآكل كالصدئ في الحديد، الي متي سيتحمل نظرات الجميع الموجهة نحوه بأتهـام شنيـع بسبب ما عرفوه الجميع عن ابنته، وكأنه يحمل وصمة عـار ابديـة، تشنـج وجهه و الدمـوع متحجرة في عينيه و لا ولن يسمح لها بالحرية ابدًا


ليس عار عليه إنما يكفي من الالام يظهرها وهو مصدر القوه الان الى اسرته لكن اين أسرته تلك لم يتبقي منهم اليوم الا زوجته فقط وابنته خلال لحظات سوف ترحل الى وجه كريم احن عليها من الجميع حتى هو نفسه، آآه من ذلك الفراق الذي كان كالسهام السامة تنغرز في قلبه وقلب زوجته كلاهما بلا رحمة، تتشنـج جميـع اجزاء جسده بمجرد سماعه صوت بكاء زوجته يأتي من الغرفه كعادتها، حاول ان يعتاد علي هذا الوضع لكن لم يفلح ،فـ دائمًا كان حبه لابنته يصبح كالمطهـر وسرعان ما يمحى كل الحزن و القسوه لتطبـع وشمًا ابديًا .. وهو الفرح والسعاده عندما يلقي بنظره واحده الى وجه ابنته ريحانه.


لكن اليوم سوف تفارق الحياه ولم يعد هناك من يمحي ذلك الحزن من حياته أبدا و لطالما كان فخور بها ويتمنى ان يفعل كل ما بواسعه ليسعدها وكان يعتقد بالفعل ان يوفر لها كل ما تحتاجه ولكن كانت مجرد اوهام داخله لا اكثر.. ألقي نظرة اخيـرة على منزله الصغير الهادئ، وكأنه يبحث عن طيف سعادة كانت بـه يومًا، ولكن الان صار كالسجـن يخنق كل من يدخلـه .. 


يشعـر بالإنكـسار يحتاجه كلما تذكـر ماساة ابنته التي حدثت جزء منها هنا دون علمه، لا شك انه اخطا خطا فادح ليس عـاديا.. ولكن كم الضغوطات من حوله تفوق قدرة اى بشـر، تنهد بيأس لينظر مره ثانيه الى البرواز إلي صوره ابنته ويشرد في تلك الذكرى.. 


تعالت أصوات ضحكات ريحانه وهي تركض تقهقه بسعاده ووالدها خلفها يركض مبتسماً علي فرحتها ليحملها فجاه بين ذراعيه في الهواء ليرفعها بقوه الى اعلى ويتركها تسقط لكن يلتقطها بسرعه لتصرخ ريحانه بخوف وقلق عندما فعلها مره ثانيه بمسافه اعلى 


= بابا نزلني هقع بااابا ..انا خايفه لااا كده هقع منك


لكن اسماعيل لم يرد عليها وفعلها مره ثانيه وثالثه قبل ان يلتقطها بحضنه بحنان وهي أقتـربت منه تحتضنـه وتلف ذراعيهـا تطوقه بقـوة، لتختبئ في حصـن منيـع لحمايتها وهي تنظر اليه بعبث طفولي، ابتسم اسماعيل بشده عليها وهو يضحك علي زهرته المتفتحة قائلا بعتاب


= وانتي تفتكري ابوكي هيسيبك تقعي وتتالمي وهو واقف يتفرج عليكي؟


نظرت إليه ريحانه مبتسمة عندما هـز رأسه نـافـي وأردف والدها بحب وهو يقبل وجنتيها بلطف ليتـابع والدها قائلا بحنان


= لا يا حبيبتي انا عمري ما هاسيبكٍ تتوجعي ابدا .. اوعدك يا ريحانه عمر الخوف ما هيكون لي مكان في حياتك طول ما انا موجود جنبك يا حبيبتي


الان..


أخفض اسماعيل وجهه ليظهر الحزن الذى كـاد يفترش علي قسمـات وجهه، ثم قال بصوت مغلف بالوهن الذى اكتسحه:- "لم اوفي بوعدي يا ابنتي الحبيبه".


لينهض فجاه واستطـاع بمهـارة انتشـال الألم من خلجات وجهه، كـان يتطلع أمامه بذهـول أحقا سوف يترك ابنته بتاتًا ضحيه للبشر لتكن جزء منفصل عنه،  ليظهر بعينيه السوداء توحـي بأنذار الخطـر الذى سيهب حتمًا، أستـدرك نفسه بسرعه فيجب عليه أستخدم فرصه ثانيه حتى لو ستكون بعدها الفرصه الاخيره.


وسـار متجه للخارج من العمـارة الي عمـاره أخري والتي يقطنون بها في الدور الارضي عائله بدر! ليطرق باب المنزل عده مرات بعنف ،فتحت رحاب الباب بسرعة دون ان تنظر من العين السحرية بقلق ، و اقتربت منه متساءلة بفزع بعدما رأت شحوب وجه اسماعيل الأسمر وحالته المتجمد تلك، إبتلعت ريقها بتوتر قائله


= خير يا أستاذ اسماعيل عاوز حاجه! 


خـرج بدر من الخلف فجاه رفـع حاجبـه الأيسـر، ينظر له بنصف عين، ليقول بجدية 


= اسماعيل انت بتعمل ايه هنا تاني؟ مش سبق  وجيت وانا قلتلك طلبك مش عندي 


حـدق اسماعيل في الذي يقف أمامـه بهيئتـه الجامد و دامـت لثوانى فقط، وسرعان ما اقترب بقوة يصطدم بجسده ليرتطـم بـدر بالأرضيـة بقوة و صرخ من الألم، وفى لمح البصر كان يهبط بجسده أمامه ويلكمه بقوة، قبل أن يضرب انفه لينزف بينما صرخت زوجته من الصدمه بعدم تصديق وقلق من المفاجاه.


ظل بضربه اللكمات بينما الاخر علي الأرضية متأوه من الألم.


اقترب اسماعيل لمستواه وامسك برقبـة يرمقـه بنظرات دبت الرعب في اوصاله ليرتعد من هيئتـه الغاضبـة وعينيه الحمراوتيـن مثل وجهه من كثرة الإنفعـال، ثم صاح بأنفاس لاهثـة بتهديد


= اسمع انت غصبا عنك برضاك هتيجي معايا القسم يعني هتيجي معايا، انا بنتي مش هتتعدم مش هقف اتفرج عليها وهي بتروح مني بسببي أنا وبسببك 


كاد يختنـق بدر وحاول إبعـاد يده عنه وهو يجيبـه بتعب حقيقي 


= أبعد عني آآه هـمـوت


حدقـه اسماعيل بقوة وبرقت عينـاه وراح يتخيله هو نفسه مكانه وهو يهـزه قائلا بلوم وعتاب


= هي كانت عملت ايه غير انها نقذت بنتك ولولا اللي عملته كان زمانك دلوقت قاعد زي الفئران مستخبي في بيتك وخايف تطلع للناس من الفضيحه والعار، هو ده رد الجميل يعني بنتي تضحي بنفسها عشان خاطر  بنتك وانت تخاف تنطق بحرف واحد عشان جبان، ايوه جبان


تركه اسماعيل ليجلس جانبه بضعف و إبتلع ريقه بإزدراء و الدموع ملات عيناه بحسره ثم قال متألم


= بطل جبن وقوم و واجه نفسك بالحقيقه انت السبب في اللي هي فيه، حرام عليك انت ما عندكش قلب ولا رحمه ازاي عاوز تـحـرمـنـي مـنـهـا .. انت ما فيش في قلبك ذره رحمه ولا حاسس باللي انا فيه وربنا ما يجيب اللي انا فيه لاحد عشان ماتحسش فعلا بالكسره 


ظلـت رحاب تعود للخلف شيئ فشيئ، تشربـت ملامحها الخوف والجزع وهي تبكي بشده عليه وتشاهده في تلك الحاله.. و في نفس اللحظه خرجت بناتها الاربعه وهم ينظرون اليها بحزن شديد وعتاب.


سحب بدر نفسه يعتدل بثقل وهو يتنفس الصعداء بصعوبة بالغة من ألم جسده.. 


نظرت رحاب الي بناتها بتفحـص بتردد قليلا، ثم اقتربت رحاب من اسماعيل الجالس بالأرض دموعه تتساقط بعجز وقله حيله، ثم هـزت رأسهـا ونظرت له بحـزن قبل ان تهمس بألم تجسـد في نبرتها


= اهدا يا استاذ اسماعيل حقك علينا، اهدا وما تخافش بنتك ان شاء الله هتطلعلك وهترجع لحضنك ثاني وانا بنفسي هاخذ بنتي تشهد بالحقيقه، انا مش قادره على تانيب الضمير وعمري ما هسامح نفسي اني بنتك هتموت بسبب انها نقذت بنتي وانا بدل ما اشكرها باسيبها للموت ،عشان كده هظهر الحق واللي يحصل يحصل


انتفض اسماعيل فزاع من مكانه فور سماعه كلمات رحاب ليتقدم منها بعدم تصديق ولهفه شديده هاتفاً بصوت مبحوح 


= بتتكلمي بجد هتعملي كده ولا بتاخذيني على عقلي.. ابوس ايدك اعملي اي حاجه انا بنتي خلاص فاضل ليها لحظات وحبل المشنقه يتلف حوالين رقبتها


هزت راسها رحاب بالايجابي وهى تردد بانتحاب


= ايوه بتكلم بجد يا استاذ اسماعيل ده اللي كان لازم يحصل بنتك ما ينفعش تتعدم لمجرد انها حاولت تدافع عن بنتي وانا يكون ردي للجميل اسيبها تموت، غير ان ده لو سبته يحصل مش هقدر اعيش بعد كده من تانيب الضمير ولا احط عيني في عين وأحده من  بناتي،و ولا واحده منهم هتقدر بعد كده هتشتكي وتفتح بقها لو حصل ليها حاجه بعد اللي عملناه في بنتك ،وهم شايفينا خائفين اد ايه من كلام الناس


تنفس بدر الملقي بالأرض الصعداء بصعوبة بالغة من الام جسده وعندما سمع كلمات زوجته وانها سوف تذهب الى القسم وتكشف الحقيقه، مما جعل الدماء تفر من عروقه وحاول أن ينهض يعنفها لكنه لم يستطع ليقول بصوت ضعيف 


= رحاب آآه انتي بتقولي ايه انا مش هاسمحلك تعملي كده آآ مش هتروحي في حته


تشدد جسد اسماعيل بخوف مرة اخرى أن تتراجع زوجه بدر عن حديثها لكنها لم تهتم إليه، ثم تراجعت رحاب للخلف عدة خطوات قائله بحزم


= استناني هنا يا استاذ اسماعيل لحظه هالبس بسرعه والبس البنت واجيبها معايا وهنروح القسم


هز رأسه اسماعيل عده مرات بامتنان لها و عينيه تلتمع بسعادة غامرة وهو يخرج هاتفه من جيبه قائلا بفرحه


= تمام متشكر جدا مستنيكي و هتصل بسرعه بي رشوان وهقول له ان احنا جايين عشان يحاول يوقف الحكم


تحركت رحاب من امامه واخذت بناتها الى الداخل، بينما اتصل اسماعيل بصديقه وانتظر حتى اجاب عليه ليقول بسرعه ولهفه وهو يتنفس بصعوبة بالغة


= رشوان مش هتصدق ولدت دهب وافقت انها تيجي معايا القسم وتخلي بنتها تعترف بالحقيقه.. خلاص الحقيقه هتظهر يا رشوان.. وبنتي هتطلع براءه وهترجع لحضني ثاني انا وامها، رشوان! انت مش بترد ليه؟؟ اعمل اي حاجه حاول توقف الحكم لحد ما نيجي


إبتلع اسماعيل ريقه بتوتر شديد عندما لم تاتي اجابه منه لكن بعض لحظات اجابه رشوان بصوت حزين قائلا 


=يا ريتك كنت اتصلت بدري شويه يا اسماعيل حكم الاعدام خلاص اتنفذ من حوالي ربع ساعه!! وريحانه تعيش انت...!! 


تحول شحوب وجه اسماعيل الى لون رمادى فور ان انتبه الي كلماته الصادمه وان ابنته قد فارقت الحياه وانتهى الامر ولم يعد هناك اي فرصه للعوده!! أبعد الهاتف عن أذنه ليسقط من يده بالأرض بقوة ليتحطم، وشحب وجه إسماعيل بعدم استيعاب شاعراً بألم يكاد يحطم روحه الي شظايا و هو يشعر بوحدة لم يشعر بها من قبل.. 


بدأت عيناه تدمع حرفيًا بغزارة.... فرفع رأسه للسماء وكأنه يناجي ربه باحتراق روحه مع روح أبنته الراحله! وهو يصرخ بصوت مذبذب متوجع بحسرة 

=يــا رب........


يـتـبع، انتظروا الخاتمه.

بقلمي خديجه السيد ♥️


بداية الروايه من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات جديده هتعجبكم من هنا


أجدد وأحدث الروايات من هنا


روايات كامله وحصريه من هنا




وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

إرسال تعليق

أحدث أقدم